أوراق في إصلاح النظام.. من أين نبدأ؟

آراء 2021/09/15
...

  د. نوفل أبوالشون الحسن
 
في ظل التطورات المتلاحقة في المنطقة والعالم، وعلى أعتاب الانتخابات النيابية القادمة في العراق، يتطلع المعنيون بالشأن العراقي بقلق للنتائج التي ستفرزها هذه الانتخابات، وما ستفرزه من تحالفات سياسية تقود لتشكيل الحكومة السادسة بعد إقرار الدستور عام 2005.  داخلياً تواجه الدولة العراقية، التي مرت علينا قبل أيام الذكرى المئوية لتأسيس المملكة فيها، مجموعة من التحديات الكبرى التي أفرزتها أسباب متراكمة وأخرى متجددة. مع كل تشكيلة حكومية جديدة، وبغياب آباء مؤسسين للدولة العتيدة، يطفو على السطح عجز بنيوي للتعاطي مع جذور هذه التحديات. يقف بمقدمة المعضلات التي تواجه أي حكومة هي وضع رؤية واقعية قابلة للتنفيذ تتضمن حسم طبيعة العلاقة بين المركز والاقليم، وبين السلطات الاتحادية والسلطات المحلية في المحافظات، وتوزيع الثروات بشكل منصف وعادل (بعيداً عن الترضيات السياسية)، ومعضلة إصلاح الجهاز الإداري للدولة وزيادة كفاءة واداء مؤسساتها المترهلة، وإعادة تعريف هوية الاقتصاد وتحديد حجم ونوع تدخل الدولة في عملية الانتاج المعطلة، وتصحيح مساراتها، وللاسراع بتنويع الاقتصاد بعيداً عن الهيمنة الاحادية للنفط وخلق فرص عمل حقيقية خارج اطار الوظائف الحكومية، التي أضحت عبئا كبيراً على موازنات الحكومات، من دون أن تنعكس إيجاباً على حركة الواقع. 
ولا يمكن اغفال التحديات المتعلقة بالعجز عن توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر، والأزمات التي تلوح بنقص الموارد المائية وتحديات التصحر والجفاف وتلوث البيئة وتآكل البنى التحتية المترافقة مع نمو سكاني مفرط، ومشكلات اجتماعية وتربوية تفاقمت مع انفتاح العراق على العالم بغياب اطر ومحددات ناظمة ساندة لمفهوم الدولة الحديثة ومتفق عليها اجتماعياً.
وبغض النظر عن السيناريوهات المختلفة التي ستنتج عن الانتخابات المقبلة، فإن العراق بحاجة لحكومة فعالة وكفوءة ومنسجمة لكي تنوء بأعباء التحديات الداخلية والتطورات الخارجية، التي قد تفرز بسبب اعادة تشكيل جغرافية النفوذ الدولي والاقليمي في المنطقة، واعادة تموضع بعيداً عن الاشكال التقليدية والسائدة فيها. 
ستواجه الحكومة القادمة جمهوراً غاضباً وأجيالاً تشعر بانفصال عن الطبقة السياسية المتنفذه وشبه قطيعة مع الاطر الاجتماعية التقليدية. 
وفي ظل التعدد الكبير للكتل والأحزاب وإنشطارها أفقياً (بحسب التقسيمات الطائفية والقومية والمناطقية) واستحالة حصول أي منها على أغلبية عددية كافية لتشكيل حكومة، فهناك سيناريوهان لإنتاج الحكومة. الأول هو التحالف قبل الانتخابات والثاني هو التحالف بعد اعلان نتائجها. 
بمراجعة سريعة للحكومات الخمسة التي تشكلت بعد اقرار الدستور عام 2005 فإن كلا النوعين من التحالفات أنتج تحالفات هشة وغير قادرة على تنفيذ برامج اصلاح حقيقي. 
في الفترات التي تنشغل الكتل الفائزة بتشكيل الحكومات كان تقارب البرامج غائباً كعامل لتشكيل التحالفات، مقابل حضور أساسي لتحاصص المواقع الحكومية. أضحت المحاصصة هي الصمغ اللاصق لتخادم كتل سياسية متحالفة رغم تناقض برامجها، وتقاطعها سياسياً وفكرياً. 
 في أكثر من مرة تأخر تشكيل الحكومات عن السقوف الدستورية. كما شهدت بعضها تحديات داخل الكابينات الوزارية. استقال أكثر من اربعين وزيراً خلال أربع حكومات سابقة أو أقيلوا أو سحبت يدهم أو انسحبوا منها. كما تعرضت هذه الحكومات الى تحديات كبيرة في مجلس النواب من الكتل نفسها التي شكلتها. 
تبادلت كتل سياسية نافذة الاتهامات واللوم محملة بعضها البعض أسباب الفشل والاخفاق. 
أثر ضعف بنية التحالفات على تردد وضعف امكانية الحكومات على تقديم أداء مقنع للمواطنين الذين تشير استبيانات متعددة للرأي على تضاؤل درجة التأييد الشعبي لها. وانعكس ذلك على فقدان حوافز المشاركة في الانتخابات التي تدنت معدلاتها بمرور الزمن. 
تشير التقارير الرسمية عادةً الى نسب انجاز عالية في البرامج الحكومية، بخلاف التقارير الصادرة عن اللجان النيابية المختصة والتي تشير الى نسب أقل بكثير من ذلك. وهو ما عكسته تقارير ومؤشرات عديدة صادرة عن مؤسسات دولية تصنف الاداء بمعايير متنوعة. وكمثال فقد صنّف تقرير سهولة أداء الاعمال في العالم الصادر من البنك الدولي العراق بالمرتبة 172 ضمن تسلسل يشمل 190 دولة مصنفة.
 تفشل الحكومات عادةً عندما تتشكل من تحالفات وقتية غير راسخة وغير قائمة على البرامج. وتميل مثل هذه الحكومات لترحيل المشاكل الكبيرة والجوهرية وتأجيلها.
وللخروج من المأزق الذي واجه الحكومات السابقة وسيواجه أي حكومة ستتشكل بنفس الطرق والمدخلات السابقة، طرح بعض الخبراء فكرة إعادة النظر بالنظام الحزبي كمقدمة لازمة لإصلاح النظام السياسي في العراق، ليتمكن من إنتاج حكومات فاعلة ومنسجمة وكفوءة. 
يشكل تطبيق قانون الاحزاب السياسية 39 لسنة 2015 النافذ مدخلاً ضرورياً للبدء بالاصلاح. وبتعديل بعض مواده (كالمادة 11 – لتشترط اجازة الحزب بتمثيله في كل المحافظات) يمكن إعادة هندسة المشهد السياسي بشكل تتطلبه آفاق الاصلاح وضرورات التغيير. 
لا بد للعراق من أحزاب وطنية إتحادية (تشمل كل خارطة البلاد وأطيافه بداخلها) قليلة العدد، كبيرة الحجم والتمثيل. يتم داخل هذه الأحزاب الإتحادية إنجاز مهمتين أساسيتين. 
الاولى: توفير هياكل تنظيمية تمارس فيها الديموقراطية واختيار القيادات ومحاسبتها وتقييم ادائها وبشكل شفاف. 
والثانية: حسم التوجهات والرؤى، والتوافق على حلول مقترحة للمعضلات التي تواجه البلد من خلال برامج واضحة داخل الحزب، ثم تعرض بعدها أمام الناخبين وتتحول الى برنامج حكومي في حال فوزها بالانتخابات او مشاركتها في الحكومة.
 للحصول على متغيرات جوهرية في المخرجات الانتخابية (حكومات فعالة وكفوءة ومنسجمة)، نحتاج لمدخلات (أحزاب سياسية مستقرة) مختلفة عما يعرضه المشهد السياسي 
التقليدي.