التنوير والتثوير

آراء 2021/09/15
...

  د.علي المرهج
لا شك أن الفرق كبير بين مفهوم {التنوير} ومفهوم {لتثوير}، وقد تكون للأول أصول معرفية واضحة، أما {التثوير}  فيمكن القول أن له أصولا في الفكر بصفته الايديولوجية والعقائدية، وقد يكون مرتبطا بالممارسة والفعل أكثر من ارتباطه بالنظرية، وقد تأتي النظرية فيه بعد الفعل.
 
لا ينفصل {التنوير} عن الفعل، ولكن النظرية فيه تغلب على الفعل، أو يمكن القول إن {التنوير}فعل عقلاني يضبط ايقاع الفعل والممارسة، كي لا ينزلق إلى مغريات الانفعال العاطفي 
والوجدان.
لا توجد ثورة حقيقية من دون وجود أعمال عُنف تُرافقها، بل وإزهاق أرواح ربما، ولك أن تعد بثورات كبرى في التاريخ مثل: الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة المصرية وثورة العشرين في العراق وثورة عبدالكريم قاسم، وما تلاها من صراع بين التثوير والتنوير.
يعدُّ نوري جعفر الثورة ظاهرة اجتماعية سواء أكانت عملاً مشروعاً أو غير مشروع.
الحاكمون هم من يضطرون المستضعفين أو المحرومين للثورة، وكلما زادت الهوة اتساعاً بين غنى الحاكمين وفقر المحكومين، كلما بانت تباشير الثورة.
تبدو ملامح وجود الثورة جلية حينما يشتد الصراع الطبقي، فتكون الفئة الحاكمة ورجالاتها منتفعة وتنهب أموال الدولة وغالبية الجماهير محرومة.
يؤكد غوستاف لوبون في كتابه (روح الثورات، والثورة الفرنسية) أن الثورة تحصل وفق مُعطيات عقلية، فلا ثورة من دون وجود أسباب عقلية وواقعية كانت هي الأصل في حدوثها، ولكن لا تكون لهذه الأسباب قوة تأثير إن لم تتحول إلى عواطف يشعر الجمهور أو الجماعات الثائرة بتأثيرها الحماسي، لذلك فلا نجاح لثورة من دون {إفعام لقلوب الجماهير بالآمال، لذلك نجد أغلب الثورات التي نجحت إنما يستعين قادتها بتأجيج العاطفة الدينية أو الوطنية، ولا تنجح الثورة} ولا تصبح ذات نتائج إلَا بعد هبوطها لروح الجماعات، فالجماعة تُتم الثورة ولا تكون مصدرها، وهي لا تقدر على شيء ولا تُريد شيئاً إن لم يكن عليها رئيس يقودها، ولا تلبث الجماعات أن تتجاوز الحد الذي حُرَضت عليه، وإن كان التحريض لا ينشأ عنها أبداً.
ولا بدَّ للشعوب المقهورة أن تنهض وتستفيق من غفوتها التي وإن طالت بفعل الوعود الكاذبة والحلول الترقيعية وفعل تخدير السلطة، عبر اللعب على عواطف الجمهور ومُخاطبتهم بلغة وجدانية ذات أبعاد تاريخية في الحديث عن المظلومية لفئة أو مذهب هم الأغلبية، ولهذا النوع من الخطاب فعل تأثير وتخدير، ولكن لهذا الخطاب زمنه، ليتحول لنغم سقيم يصدر من أسطوانة مشروخة يضعف تأثيرها بفعل تكرارها وينتهي مفعول التخدير فيها.
يذهب (نوري جعفر) لتأييد فكرة ربط الثورة بالصراع الطبقي، {فتكون الفئة الحاكمة ورجالاتها منتفعة وتنهب أموال الدولة وغالبية الجماهير محرومة، ويكون (الولاء) هو سيد الوقف في الخلاف بين الحكومة والجماهير، وستجد أن المنتفعين من الحكومة أقل ولاءً للوطن والوطنية والشعور بالمواطنة من الجماهير، وما أن تحدث الثورة ستجد رجالاتها المنتفعين مختفين ويختفي ولاؤهم ليحضر ولاء الجماهير الجوهري بديلاً عنه}، وهذا الرأي هو ذات الرأي الذي ذهب إليه علي شريعتي في جُلّ كتاباته.
التنوير محاولة للتخلص من التبعية والجهل والتجهيل، وهي دعوة تبناها فلاسفة القرن الثامن عشر، وإن كانت جذورها تعود للقرن السادس عشر في ما سُميَ {عصر النهضة الإنسانية}، ومن ثم لفلاسفة القرن السابع عشر.
أعادت فلسفة التنوير الاعتبار للعقل الإنساني ودوره الفاعل في معرفة الطبيعة والوجود، الأمر الذي دفع باتجاه تطور العلوم الرياضية والتجريبة، والعمل على استقلال العلوم الطبيعية عن هيمنة التفسيرات الميتافيزيقية للوجود، وبدأت سلطة رجال الدين أو {الكهنوت} بالتقلص تدريجياً، ليكون العلم مُعادلاً موضوعياً للدين، على قاعدة (الدين لله والوطن للجميع).