عدنان أبوزيد
اقترن التطرّف في العقدين الأخيرين بالاعتقاد، واعتُبر الفكريّ منه المحرِّك الأول لتوجيه سلوك الفرد، وموقفه من الاحداث، وفي ذلك، من الحقيقة، الكثير، لكن ليس كلها.
فليس التطرّف الفعال في الفرد فكرياً فحسب، بل بيئة وأداة.
وإذا كان بعض العنف وليد تعصّب اعتقادي، فانّ الكثير من السلوك اليومي العنفي هو نتاج ظرف قاسٍ يؤثر في المزاج، ويتفاعل مع العاطفة والاحساس، ويوجّه نحو سلوك بطشي يفوق ما تدفع به الغلواء. والعكسُ صحيحٌ..
ذلك أنَّ البيئة الوسطية تحفز على التوازن، فتجد سكانها على رغبة شديدة في التعايش والتمتّع بتفاصيل الحياة، وانتهاج الوسطية في العقائد.
وليس في ذلك من اندهاش، فالذي يعيش في الغابة الخضراء، ليس كمَن يعيش في الصحراء المجدبة، فتجد الأول سلِسا متجاوبا، بينما يكون الثاني متعصّبا جلِفا..
كما أنَّ الذي يحرص على استنشاق الزهور من حوله كل يوم، وإروائها ورعايتها، لهو أكثر استعدادا لاستيعاب جمال العيش وحسنه من الذي يلتفت فلا يجد حوله سوى الرمال والأحجار ومخلفات الصناعة والزراعة. الغلو البيئي ذو تأثير ضار في الفرد ينعكس على سلوكه ويلوّن مزاجه وسجيته، ويوجّه أفكاره، والوسط الفطري، مثل الأم اذا ما تطرّفت استعصى ابنها، وإذا ما اضطربت، اضطرب أبناؤها.. لهذه الأسباب نحتاج إلى لجم البيئة المتشدّدة والظروف القاسية، تماما مثلما نحاصر الفكر المتزمّت، فبما أنَّ ايديولوجيا التعصب تستقطب الجماعات المتزمتة، فإنّ البيئة الجافة تحفز الأشواك، وتحرّض القسوة. وبما أنَّ حاملي الغلوّ في الفكر يقتلون الناس كيفما يشاؤون، فإنّ العواصف الرملية في بلدان التطرف المناخي لا ترحم. وفي الظرف الطبيعي المتطرّف تزدهر وجهات النظر المتزمتة ويبرز السلوك الجلف، وليس مصادفة أن يقترن وجود الجماعات الخارجة على القانون، بالصحارى القاحلة وهوامش المدن المنسيّة، والجحور الرطبة غير المرئية. كل ذلك يكون مدعاةً لأن نحارب، ليس الفكر الظلامي، فحسب، بل المكان المتطرف والبيئة القاسية، بزراعة الورود والغابات، وجعل اليابس أخضر، والمريض متعافيا، عندها نصنع إنسانا بروح وثابة، وعقلية متفتحة كالأزهار من حوله.
نحتاج إلى بيئة خضراء تعدّل المزاج، وتوازن السلوك، وتفتح الآفاق للنظر. نحتاج إلى زراعة الأشجار والأزهار في المدن والضيعات والقرى، والبراري لأنها تلطف ليس المناخ، فحسب، بل الروح، وتخفض ليس حرارة الجو، فقط، بل تخفض مناسيب الملل والضجر، والكراهيات على أشكالها، الامر الذي ينعكس على السلوك والأمزجة، والسجايا.
وليست الحاجة إلى الزهور، جمالية فحسب، وليست زراعة الأشجار للظلال فقط، فما هي إلا تعزيز لاستقرار الروح وسكون البصر وتفتح الذوات وتنعكس بنتائجها على السلوك ليصبح معتدلا رشيقا، بينما تزدهر في مثل هذه البيئة الأحلام الجميلة في مستقبل اخضر ينعش الجسد والروح، على حد سواء.