قرّاء يطالبون كتّابهم بالموضوعية واختيار ما يناسب مجتمعهم

ثقافة 2021/09/17
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
منذ مطلع القرن الماضي، وبدايات النقد العربي الحديث، ينتظر الكاتب؛ أي كاتب، ماذا يقول الناقد عن نصّه، إن كان مدحاً أم ذماً، تقويماً أم بحثاً عن الهنات. هذا الناقد الذي ظلَّ متسيّداً لعقود طويلة حتى نهايات القرن الماضي، لتبدأ بعدها نظريات جديدة تعنى بالقراءة ورود الفعل القرّاء، لا سيّما بعد أن دخلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى حيّز هذه الدراسات، وكانت التعليقات أو عدد الـ (لايكات) دليلاً على أهمية هذا النص من عدمها. ومن ثمَّ اتجه النقد إلى التفاعل بين النص والقارئ، ليشكّلا معاً تجربة جديدة أدخلت النص إلى عوالم جديدة لم تكن مأهولة سابقاً.
هذه التحوّلات وجّهت العديد من الكتّاب لبناء كتبهم الجديدة من خلال هذه المواقع، فصدرت كتب جديدة لم تكن إلا (بوستات) علّق القراء عليها بالإعجاب، فكانت هذه الإعجابات دافعاً لجمعها في كتاب بتجنيسات ربّما لا علاقة لها بالأجناس الأدبية المعروفة في الأدب عموماً.
من هنا كان علينا أن نلتفت في موضوعنا هذا إلى ما يرعب الكتّاب أنفسهم، وهم القرّاء، فكان أن طرحنا عليهم تساؤلاً محدداً: بوصفك قارئاً، ما الذي تتمنى أن تقرأه من كاتبك المفضل أو من الكتاب عموماً؟
ولكي نكون حياديين، ابتعدنا عن الكتّاب أنفسهم، واتجهنا لشريحة مختلفة من القرّاء، لنقف على ما يتمنونه من كتّابهم المفضلين:
 
التثاقف
يقول سامر عبد الكريم ناصر، بصفته «قارئا للكتب» ليس لديه كاتب مفضّل، ولكن هنالك كتّابا يستحقون أن يطلق عليهم تسمية «كاتبي المفضل» وهم ليسوا بالقليلين. ويتمنى ناصر من الكاتب أن يقدّم الموضوع بصورة واقعية ومنظّمة. مثلاً «أتمنى أن يقوم بدراسة تسلسل الأفكار في الفهرس قبل أن يطبع كتابه وهذا مهم جدّاً. وجدت بعض الكتب بحاجة لإعادة ترتيب حيث يتناسب أوّله مع ما قبل آخره. وقد تتكون للقارئ نظرة شاملة للمادة ويفهم ما يريد الكاتب إيصاله من أفكار، ولكن التسلسل لم يكن صحيحاً». 
كما يتمنى ناصر أن يقدّم الكاتب مواد فيها قضايا جديدة وأصيلة وألا يتوقّع أن يكون القارئ كسولاً وغير متابع لما يكتب وأن يبتعد عن اجترار المواد نفسها في كلِّ مرة يكتب فيها كتابه، لأن هذا التكرار يولّد نوعاً من الملل ويضيع الجهد من جهة القارئ، إذ يمكنه إحالة القارئ لكتابه الآخر، وهذا أمر فيه تسلية كبيرة.
أما الكتّاب عموماً، فيأمل ناصر أن يكون الكتاب وجهاً يعكس روح تلك الفجوة التي جاء ليملأها، وهذا يعني أن هنالك فجوة قام الكتاب بمعالجتها أو قدّم اقتراحات لمعالجتها. فلا يقرأ كتاباً يقدّم لي معلومات عامة لأنها متوفرة في الانترنت وإنما العكس، معلومات لا يجدها في الانترنت أو أي مكان آخر لأنها معالجة وتجربة وليست حالة عامة. هذا النوع من التثاقف المرن والمجرد بين القارئ والكاتب برأي ناصر الشخصي هو ما يصنع جيل القراء الحقيقي وليس جيل النت والكندل والنسخ الالكترونية التي لا تقدّم المعرفة المطلوبة لنمو العقل وتوسع مدركاته.
 
قيود الايديولوجيا
ويتمنى علي الطوكي أن يقرأ من كاتبه المفضل أو الكتّاب عموماً أن يستمر بالغوص داخل المشاعر الإنسانية، ويجد من خلاله بوابة يدخل بها لنفسه، لأعماقها وأن يكون فاحصاً ومراقباً على ذاته. «أن يفتح لي أبعاداً أخرى للعالم، ومنظور لم أعرفه سابقاً بسبب الجهل، أو الاعتزاز بالنفس الذي يأخذنا بعيداً ويغلق أعيننا عن الكثير. ويعيد لي تعريف الأشياء من جديد».
كما يدعو الطوكي أيضاً أن يتسم الكتّاب بالحيادية، لأننا نفتقد هذا الموضوعية بسبب الايديولوجيات وصراعاتها الكثيرة، التي تدمّر الإنسان، وتجعله بلا عقل ولا تفكير، وتمارس الغواية عليه مثل السحر، لتحوّل البعض للأسف لمسوخ تمشي وتقذف بالشعارات والمبادئ في كل مكان». لذلك يريد الطوكي أن يكون الكتاب محرّراً من تلك الأغلال والقيود التي نُكبّل بها من الآخرين، أو من أنفسنا نحن من دون علم ودراية.
 
لذّة القراءة
زيدون الجيزاني قرأ العديد من الكتب وأستفاد منها بشكل مباشر أو غير مباشر حسب قوله، «بالنسبة لي لقد أفادتني القراءة بطريقة ما، وبشكل تدريجي وغيّرت نظرتي للحياة، جعلتني أُدرك أنَّ هناك اشياء كثيرة سوف تحدث في المستقبل وكيف تستعد لمواجهتها، وقدّمت لي تجارب عميقة، أحسب نفسي أني قارئ انتقائي فالكتب التي تستهويني بالدرجة الأولى هي كتب الفكر والفلسفة وبدرجة أقل الأدب والرواية على وجه الخصوص، إذا رشّحت من قبل صديق أو قارئ آخر إذا كانت مكتوبة بأسلوب شيّق وبسيط، هناك كتب لا تعطي أيّة معلومة ولا تقبل أي تعليق، وفي المقابل هناك كتب تشعر بلذّة وأنت تقرؤها وتبقى لوقت طويل في الذاكرة، كما يقول رولان بارت (إذا شعرت بلذّة وأنت تقرأ هذا يعني أن الكتاب كتب بلذّة أيضاً).
ويؤكّد الجيزاني أن مقدمة الكتاب مهمة جدّاً، فهي تعطي صورة عن الكتاب، فهناك بعض المقدّمات تغري القارئ حتى الانتهاء، لتكتشف عن أنَّ المقدّمة أفضل من صاحب النص المقدم له، مثل مقدمة سعيد بنگراد لكتاب دروس في الأخلاق لإمبرتو إيكو، تشعر أنَّها كتاب في مقدمة، في النهاية التفضيل يبقى حسب ثقافة القارئ ومدى اطلاعه.
 
أسلوب الكاتب
أما علي الأسعد فيرجو ولا يتمنى، فالتمني يستحيل حصوله، على الكاتب أن يتحرّى الصدق والأمانة دائماً في الكتابة والنقل، قلم الكاتب غالٍ جدّاً، فلا يبيع قلمه وإن كان الثمن غالياً. التأكّد من المعلومة أو الحديث قبل كتابته، وأن يبدأ الكاتب بما يستطرف، فقد قيل: القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابدؤوها بطرائف الحكم حسب رأيه.
ويضيف: ينبغي أن يقصر الكاتب في حديثه ويوجز فإنَّ الإطالة تذهب بتماسك النص ورونقه وبهجته، ينبغي أن يكون نصّه متماسكاً مسبوكاً ومحبوكاً يمتاز بوحدة الموضوع... ولا ينسى في كتاباته ما يعزّز حديثه من الشواهد والنصوص المعتبرة، وأن يراعي في كتاباته السياق العام الذي يحيط بالنص... وأن يختار الألفاظ المناسبة، والأسلوب المناسب له.
ويرى الأسعد أن قليلاً ما نجد كتّابنا يتناولون القضايا الاجتماعية، كالمشكلات الاجتماعية والقضايا التي نعاصرها، فمن القضايا الاجتماعية التي نودُّ من كتّابنا تناولها: قضايا مخاطر الأنترنت مثلاً على الأطفال والمراهقين أو ازدياد الجرائم الاجتماعية أو الأخلاقية... أو قضايا معاصرة أخرى كقضية داعش وبطولات الجيش والحشد مثلاً.
 
جرأة الكاتب
أما عبد السلام محمد، فيرى أن القارئ بشكل عام هو فاعل ومنتج للرؤى والتصورات كما أكد «آيزر»، و»الذي أفضله أنا من كاتبي أو الكتّاب الذين أفضّل قراءتهم، هو التجرّد العام من الذات والوصول إلى مرحلة اللاشعور بالذات وميولها وانتماءاتها، وهذه مرحلة كبيرة استخدمها المتصوفة في العبادة حيث يعملون على فناء ذواتهم والتعلّق بالذات الإلهية، كذلك من أجمل ما أحبّه في الكاتب هو جرأته في الرأي وهذه الجرأة تخلق الرصانة المهنية في أي كتاب أو منهج أو حقل معرفي؛ لأن عدم الجرأة ستخلق المجاملة والتهاون في كتابة الحقيقة، وبالتالي سنذهب إلى تشويه الحقيقة، ومما أتمناه من الكتّاب هو عدم وضع أي جملة أو كلمة لا تؤدي غرضاً معيناً.
 
احتياجات القارئ
وبحسب علاء ياسين، فالقراءة بوصفها حدثا يتسلّل من خلال مسامات الإنسان المعرفية؛ العين والسمع والعقل، فإن لها آثاراً قد يكون أوضحها الأثر الروحي المتشكّل من ترابط القارئ مع كاتبه المفضل، بل وحتى كتابه، ولكون القراءة صدى لأسئلة وجودية نابعة من الذات البشرية أو عملية بحث عن متعة مغيبة بواقعه- القارئ- فيجدها بين سطور الكتاب، على هذا تكون بوصلة قراءتي نحو ما ينتجه فكر كاتبي المفضّل أو كتابي المفضّل، إما جواب شافٍ لتلك الأسئلة الوجودية أو تلبية لشغفي في متعة فكرية أو أدبية أو غيرها من المتع المعرفية، فهي عملية بحث مستمرّة عمّا تلبّي لي من تلك الاحتياجات.