التدين البراجماتي

آراء 2021/09/23
...

 د. علي المرهج
هل يوجد تدين ليس براجماتياً، هذا إذا فهم الدين عطاء وتعبدا، وكلما كنت صادقاً في العطاء والتعبد كلما وهبك الله في الدنيا والآخرة خير لا تحسب مقداره، لذلك نجد أن ترادف الصدق مع النفع عند وليم جيمس نوع من أنواع التجريبية الواقعية}، فحينما تصدق بدين ما وتعتقد به، وتجد أنك تكسب نفسياً معنوياً أو مادياً من تبنيك لعقيدتك الدينية، فهذا يعني أنك على حق، لأن وليم جيمس يفكر بالحقيقة المرادفة بين النفع والصدق.
طالما كنت وما زلت تجد أن في تبنيك للمعتقد الديني (الحقيقة) يُشعرك بأنك على حق وتنتفع منه، فهو تدين صادق، وإن لم تجد دليلاً منطقياً عليه.
لم ينشغل البراجماتيون بإثبات فكرة وجود الله، بقدر ما شغلتهم نتائج الاعتقاد به، لأن الفلسفة البراجماتية فلسفة مستقبلية، كونها تهتم بمستقبل الحدث لا بعوامل وأسباب حدوثه، فأن تكون مؤمناً فذلك شأنك، وإن وجدت في إيمانك هذا ما يُقدم لك الطمأنينة والراحة فهو اعتقاد صادق، ولكن في هذه الجملة (مسكوت عنه) وهو (إن لم أجد في تبني العقيدة ما يدعونني للاطمئنان)، فهل هذا الرأي يبقى صادقاً؟!. الجواب: نعم
لم يكن (جارلس بيرس) من الذين يعتقدون بالبعد اللاهوتي للدين، واتهم بالإلحاد لقرب أفكاره من الفلاسفة التطوريين، لا سيما (توماس هكسلي)، فما قدمه (بيرس) جول الدين يؤكد أنه ينتمي للرؤية العلمية التي مهدت لظهور (الوضعية المنطقية) في ما بعد، لذك يُمكن لنا القول إن الإيمان الديني مرتبط بالفطرة الخارجة عن قدرة الإنسان على التحقق منها تجريبياً، وهي رؤى لا يُمكن الحُكم على خطئها من صوابها.
كلما تحدث (وليم جيمس) عن "التجربة الدينية" كلما زدت ارتياباً من ربطه لها بما أسماه "التجريبية الأصيلة"، لأنها تجربة نفسية (فردية) أو (فردانية) لا يُمكن التحقق من صدقها أو كذبها بعبارة مستعارة من (الوضعيين المناطقة)، وما يُحدثنا عنه (وليم جيمس) عن (التجريبة الأصيلة) ،لا يعدو أن يكون تكرارا لحديث عن "التجربة الصوفية" في كل تجارب الأفراد وفي كل ضروب تنوعات تجاربها الدينية.
لم يكن (وليم جيمس) شبيهاً بـ (بيرس) في موقفه من الدين، لذلك نجد بعض دارسي فلسفته يعتقدون بتدينه، لأنه يُدافع عن قيمة الاعتقاد الديني حينما نجد في نتائج إيماننا به ما ينفعنا في حياتنا العملية، وهذه رؤية ماكرة لأنها تحوي الفكرة ونقيضها في الوقت ذاته. 
السؤال لجيمس، حينما لا نجد أو لا نشعر بقيمة تبنينا لعقيدة دينية، فماذا يعني؟!. بالرغم من أن (وليم جيمس) ينتقد موقف الحياة في الاعتقاد من عدمه في كتابه (البراجماتية)، إلا أن المسكوت عنه في موقفه في النظر للدين وفق مقياس المقابلة بين النافع والصادق يكون هو أكثر حيادية من غيره، لأن الموقف في الدين يؤصله الإيمان بأنه حق، ولا يُبنى على أساس النفع والتعامل الربحي من التمسك بعقيدة دون غيرها على قاعدة (لو انكشف لي الغطاء لما ازددت يقينا)، لأن الأصل في التدين هو الإيمان.
لم يختلف موقف (جون دوي) كثيراً عن موقف (وليم جيمس) من الدين بوصفه رؤية هادية تُسدد خطانا في حياتنا العملية، وبغير ذلك فهو مجرد آراء فردية قد تكون لها أبعاد روحية في نفوس الأفراد، ولكنها قد تصطدم مع العلم وحقائقه، وإن اصطدمت فأولى الأخذ بمعطيات العلم، لأنها تُقدم لنا ما هو نافع ومُفيد في وقته.
ستبقى مشاكسة المساءلة البراجماتية قائمة، وإن صدّق فيها المؤمنون أنها تُقدم لهم حلاً في حال آمنت بحياة أخرى (ميتافيزيقية) أم لا، فإنك لا تخسر شيئاً.