ابراهيم العبادي
يُعبّر الكثير من العراقيين عن مخاوفهم من تردي الحال السياسي والامني في العراق بعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية. قبل ذلك كان التخوف من عدم اجراء الانتخابات وتأجيلها ،أو الفشل في تنظيمها بنزاهة ووضوح وبلا تزوير.مازال بعض العراقيين الذين يأملون بالتغيير النسبي قلقين من عزوف الناخبين عن المشاركة، فعدم المشاركة لانعدام الثقة بالمستقبل القريب وترك الامور بلا مساهمة فعالة في احداث التغيير المنشود، يعكس بدوره استسلاما لواقع حال، يستعد شخوصه ورموزه لاعلان نصرهم المبكر قبيل اجراء الانتخابات عبر استطلاعات رأي حزبية مخدوشة في منهجها ومعطياتها، لكن العارفين ببواطن الامور يدركون ان معظم هذه الاستطلاعات تفتقر الى الصرامة المنهجية وتتسرب اليها رغبات الترويج والتأثير والتوظيف الاعلامي والسياسي.كان اخراج نتائج الانتخابات فيما مضى يخضع بشكل غير مباشر لسقوف متوافق عليها، في هذه الانتخابات التي يراد لها ان تحسم جدلا وصراعا وأزمات سياسية تخنق النظام السياسي، صار اعلان نتائج الانتخابات بعد 24 ساعة من اجرائها معضلة في حد ذاته، ذلك لان من اقنع نفسه عبر استطلاعات رأي وحسابات (دقيقة) وغير دقيقة، بانه سيكون صاحب كتلة وازنة في البرلمان القادم لن يقبل بنتائج الانتخابات اذا جاءت متناقضة مع (حساباته وتوقعاته الدقيقة).في هذه الانتخابات التي تجري بظل رقابة دولية واسعة واهتمام سياسي خارجي كبير، لابد ان ترتفع معايير إجراء الانتخابات الى مستوى التوقعات، لتكون معبرة عن اتجاهات الشعب السياسية وقيمه وطموحاته، ولذلك احتاج اصحاب القرار الى جمع القوى النافذة وتوقيعها على ميثاق شرف ومدونة سلوك انتخابي بضمنها الاقرار والاعتراف بنتائج الانتخابات كما تفرزها الصناديق وبعد مدة قصيرة للعد والفرز بلا ابطاء ولا تدخلات .هذا المفترق الخطير هو الذي يغذي مخاوف القلقين من مرحلة مابعد الانتخابات اذا جاءت خالية من المفاجآت كما تدل التوقعات، ماهو مطلوب عمليا من القوى السياسية في هذه المرحلة هو ان تفكر ابعد من اثبات شرعيتها وحضورها وتمثيلها لقطاع من الجمهور، فذلك لا يمنع من انفجار الاوضاع، كما ان الهروب الى معارك هامشية لا يمنح شرعية اضافية لهذه القوى لتمارس لعبة الصراع والمناكفة بدعوى الدفاع عن قيم ومواقف وموروثات سياسية تعتبر خطوطا حمراء تقتضي الثبات ولو بحمل السلاح للدفاع عنها.من ذلك يستنتج الفريق العراقي المتخوف من معطيات المرحلة التي تعقب الانتخابات، ان الرؤية الحزبية والفئوية قصيرة النظر ستعود بوبال شديد على مجمل النظام السياسي وشرعيته واستقراره القلق. وان الحل يكمن في مغادرة ذهنية الضدية والخصومة والتشكيك (النموذج التونسي احدث مثال) الى ذهنية الاعتبار من تجارب الاخرين، والتخطيط للمواقف بناء على استقراء الجمهور ومطالباته واحتياجاته الحقيقية، وهو جمهور شاب يوشك ان يكون جديدا بالكامل، ولا يعير اهمية كبيرة لرمزية بعض الاشخاص والزعامات والاحزاب، ولا لتاريخهم و(منجزاتهم)، جمهور يريد حلا لمشكلاته المعقدة عبر مؤسسات دولة فاعلة وقوية وقادرة على الاستجابة لتحديات الواقع.