بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم مار آوا الثالث لـ«الصباح»: نحن أمناء لوطننا العراق وننتظر من السلطة العدل والمساواة

العراق 2021/09/30
...

 حاوره: شليمون داود أوراهم 
شهدت محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق منتصف أيلول الحالي، إنعقاد “المجمع السينودوسي” لكنيسة المشرق الآشورية بحضور مطارنة وأساقفة الكنيسة ورعاياها في عدد من دول العالم، للنظر في طلب التنحي الذي قدمه رئيس الكنيسة قداسة البطريرك “مار كيوركيس الثالث صليوا” لأسباب صحية عقب ست سنوات من اعتلائه الكرسي البطريركي، حيث تم قبول الطلب من قبل المجمع الذي قام عقبها بانتخاب بطريرك جديد تمت مراسيم رسامته في احتفالية دينية كبيرة في كنيسة مار يوحنا المعمدان في ناحية عنكاوا بأربيل، وهو قداسة البطريرك “مار آوا الثالث” الذي كان يشغل رتبة أسقف كاليفورنيا للكنيسة.
 
“الصباح” التقت في أربيل قداسة البطريرك الجديد وأجرت معه حواراً بشأن عدة قضايا إيمانية ولاهوتية وأخرى دنيوية لرعية الكنيسة وعلاقتها مع الكنائس المسيحية الأخرى، فضلاً عن قضايا الهوية الوطنية والانتماء لأبناء كنيسة المشرق الآشورية.
 
تحديات معاصرة
قبل بدء الحوار مع قداسة البطريرك الجديد، لا بد من الإشارة إلى أن (كنيسة المشرق الآشورية) يمتد تاريخها إلى تاريخ المسيحية ذاتها (أكثر من ألفي عام)، وبشأن أهم التحديات الإيمانية التي تواجه إيمان وحضور كنيسة المشرق اليوم، وماذا تـُعد رئاسة الكنيسة لمواجهتها، يقول قداسة البطريرك “مار آوا الثالث”: (كما هو معروف تاريخياً، فأن الكنيسة المشرقية في العراق تأسست منذ القرن الأول للميلاد على يد تلاميذ ورسل السيد المسيح، وتواصلت عبر الأجيال، وبجذور عميقة مكنتها من مواجهة الصعاب عبر مراحل زمنية مختلفة، وصولاً إلى يومنا الحاضر، ومن الطبيعي أن تواجه هكذا مؤسسة يزيد عمرها على الألفي عام تحديات مختلفة عبر كل هذا الزمن”.
وبين أن “معظم هذه التحديات تتعلق بالمكان، ففي الغرب هناك تحدي المحافظة على اللغة وحماية الهوية المشرقية الآشورية لتسليم هذا الإرث إلى الأجيال القادمة، وهذا تحدٍ صعب بسبب ما يشهده الغرب من ثقافات وعناصر وعوامل مغايرة قد تؤثر في أبناء الكنيسة”.
وأضاف، “أما في المشرق وتحديداً في العراق فثمة تحديات أيضا بسبب الوضع السياسي العام وغير ذلك من عوامل، ما يؤدي إلى صعوبات في أداء الكنيسة التي تسعى لمعالجة المصاعب حسب بلدان وأوضاع تواجد الرعيات”، مؤكداً أن “الحفاظ على الهوية المشرقية الدينية وعلى القومية يبقى في مقدمة التحديات أمام الكنيسة”. 
 
تحديث وتجديد
وبشأن التجديد والتحديث في مؤسسات الكنيسة بهدف درء التحديات، وفسح المجال أمام العلمانيين وخصوصا الشبيبة في تطوير الحياة الداخلية للكنيسة عقب تسنمه الكرسي البطريركي، أكد قداسته أن “كل مؤسسة حية لا بد من أن تشهد متغيرات، ولا بد للتجديد من أن يحضر في المحاور التي لا تتعلق بالأسس والثوابت المقدسة، إنما بإدامة المسيرة وإيصال التعاليم والإيمان، حيث لابد من أن يتم ذلك بأسلوب معاصر لكي يتمكن الشباب والصغار والكبار من تقبله”.
وبيّن أنه “في رعيات (الاغتراب) تسعى الكنيسة كثيراً لدعم نشاطات العلمانيين ولجان الشباب، وآمل أيضا أن يتم ترسيخ وزيادة هذا الدعم في رعايات (المشرق) أيضاً”، مشدداً أن “على الكنيسة أن تحدد اليوم مكامن الضعف وتتخذ سبلاً ناجعة لإيصال رسالتها للمؤمنين ومن بينهم العلمانيون والشباب الذين يمثلون جزءا مهماً وكبيراً من جسد الكنيسة”.
عانى المسيحيون المشرقيون من منعطفات خطيرة خلال الخمسين سنة الماضية بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية التي عصفت بالشرق الأوسط، حيث نجد أن الجاليات المسيحية المشرقية (المغتربة) باتت، في مواضع محددة، أكبر حتى من الوجود في الوطن الأم، بشأن دور الكنائس المشرقية في حماية وجودها التاريخي في الشرق في خضم هذه التحديات، رأى قداسته أنه “ضمن واقع حال جميع الكنائس -وبضمنها الكنائس المشرقية- فان هناك ثمة مهام ينبغي أن تؤديها الكنيسة في حياة أبنائها، وبدورنا في كنيسة المشرق الآشورية فقد سعينا للقيام بهذه المهام في حياة إبنائها”.
وأشار إلى أنه “مما يؤسف له ان الكنيسة غير قادرة على أن تطالب أبناءها بعدم الهجرة، لكن عليها أن تدعمهم في وطنهم وتشجعهم على تحمل الظروف الصعبة وتتواصل معهم حتى عبر المساعدات الإنسانية المتاحة، ومن ثم تأمل منهم عدم مغادرة المشرق ومن ذلك (الوطن العراق) وهو أمر مهم”.
وأوضح أن “اختيار (المجمع السينودوسي) للكنيسة لأسقف من بلدان (الاغتراب) ليكون البطريرك الجديد لها ومقره في العراق إلا خطوة في دعم الخطوات التي تشجع على الهجرة العكسية من الغرب إلى الشرق”، وبين أنها “رسالة واضحة لأبناء الكنيسة في الوطن وفي المشرق لحماية الجذور، والصعاب ستستمر لكن علينا التحلي بالصبر كما كان الأولون.. وإلا لما كنا وصلنا إلى يومنا الحاضر”.
وقال قداسته: إن “ثمة إيجابيات في الاغتراب تتمثل في أن أبناء الكنيسة المغتربين يحرصون كثيراً على التواصل في دعم ومساندة إخوتهم في الوطن على الدوام وبمختلف أشكال الدعم والإسناد لإدامة بقائهم في الوطن”.
وأضاف “لقد حضر عدد من أبناء الكنيسة الشباب المغتربين مراسيم تسنمي السدة البطريركية مؤخراً في الوطن وتحديداً في أربيل، وأبدوا مشاعر طيبة في محبة الوطن وأكدوا سعيهم للعودة والتواصل مجدداً، وهو أمر تستطيع الكنيسة أن ترعاه”.
حوار الكنائس
في رسالة التهنئة التي بعثها إلى قداسة البطريرك الجديد؛ غبطة الكاردينال لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية الشقيقة بمناسبة رسامته، دعاه الى تعزيز التعاون والتقارب والعمل المشترك بين الكنيستين الشقيقتين، بشأن رؤية قداسته عن تعزيز التنسيق مع الرئاسات المسيحية الشقيقة في الموضوعات التي تخص حضور المسيحيين وحقوقهم، للخروج بموقف موحد، ومسيرة التقارب بين الكنائس الشقيقة (الآشورية، الكلدانية، الشرقية القديمة)، وكذلك رضاه عن مستوى العلاقات الحالية، قال قداسة البطريرك “مار آوا الثالث: إن “تقارب الكنائس ولا سيما في العراق أمر مهم جداً وحاجة ملحة، لكي يرى الآخرون أن المسيحيين متحدون، ليس بالضرورة في التفاصيل اللاهوتية إنما في التعاليم والممارسات اليومية”، وتابع: “نحن نشكر غبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكو والإخوة مطارنة الكنيسة على التواصل معنا بالتهنئة والحضور، وإننا كرئيس للكنيسة على استعداد للتواصل مع غبطته من أجل الصالح العام للكنائس 
وأبنائها”.
وأبدى قداسته حزنه بشأن “الانقسام الذي شهدته الكنيسة قبل نحو خمسمئة عام”، وأضاف: “نحن نصلي من إجل إيجاد سبل معالجة الأمر مع توفر الإرادة الحسنة من قبل الجانبين، ولحين تحقق ذلك فإن بإمكاننا العمل بشكل موحد من أجل حقوق أبناء الكنيسة والأمة، إذ أننا نؤمن بأننا أمة واحدة رغم تعدد التسميات، ذلك أن التاريخ يثبت أن جذورنا كأبناء شعبنا أصيلة في هذا الوطن إنما هي واحدة، وآمل أن يكون ذلك هو أساس العمل معا، لا فقط مع غبطة البطريرك ساكو إنما حتى مع باقي إخوتنا رؤساء الكنائس الشقيقة الأخرى”.
 
الكنيسة المشرقية القديمة
وبشأن التطورات في التقارب والعلاقة مع الفرع الثاني من الكنيسة المشرقية “الكنيسة الشرقية القديمة”، قال قداسته: “لا شك أن أواصر (كنيسة المشرق الآشورية) أكثر قرباً مع (الكنيسة الشرقية القديمة)، لأن الخلاف أقرب زمنياً بكثير، ويمتد فقط لنحو خمسين أو ستين سنة مضت، وما يفرقنا لا يتعلق بلاهوت الكنيسة ولا بطقوسها إنما هي أمور نعتقد أن من الممكن معالجتها”.
وأشار إلى أن “تبادل الزيارات في مناسبات الرسامة الأخيرة والذي يندرج ضمن جهود التواصل هي مسألة طيبة، لأن (كنيسة المشرق الآشورية) و(الكنيسة الشرقية القديمة) إنما هما كنيسة واحدة، وأبناؤها أبناء أمة واحدة، وإننا كإدارة الكنيسة مستعدون للتحاور، ذلك لأن الوحدة أمر مهم”، واستدرك بالقول: “نعم هناك بعض الإشكاليات، ولا يمكننا إنكارها، لكن علينا أن لا نجعل منها بحجم الجبال، إنما الاعتماد على الإرادة الطيبة للعمل معاً ونسيان ما مضى وقبول بعضنا للبعض الآخر كإخوة، وعندها أعتقد أن الطريق سيكون سالكاً لتوحيد
الكنيسة”.
 
الرئاسات الثلاث
وبخصوص أهم الملفات التي سيناقشها قداسته مع القيادات السياسية في البلاد، قال: “سنلتقي في بغداد مع السادة في رئاسات الجمهورية والوزراء والبرلمان وربما مسؤولين آخرين، وستكون فرصة للتعريف بأنفسنا كبطريرك جديد على كرسي كنيسة المشرق الآشورية، هذا الكرسي الذي سيبقى في العراق (في أربيل)، وهو أمر طيب أن نحقق حضوراً جيداً في الوطن، وهي رسالة لأبنائنا في أنه وكما الكنيسة ورئاستها باقون في الوطن كذلك أنتم أيضاً”.
وبين أنه سيطلب من الرئاسات “تجسيد المساواة في النظر إلى أبناء شعبنا كونهم جزءا مهما من النسيج الجميل لهذا الوطن بمختلف مكوناته، والتأكيد على العيش المشترك”، وأضاف “أنا على يقين بأن السلطة قادرة على تحقيق ذلك، من خلال المساواة في القوانين والحقوق والإقرار بالوجود”.
وأشار إلى أن “لدينا رعية أسقفية في بغداد كما في كركوك وسواها”، مبيناً أنه “رغم تراجع أعداد المؤمنين وهو تحد تعيشه أيضا كنيسة المشرق، لكن يبقى من المهم الحفاظ على وجودنا في هذه المدن”.
 
عودة الكرسي الرسولي
شارك رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان بارزاني في مراسيم تنصيب قداسته، في بادرة تعكس أهمية الحضور المسيحي العريق في الإقليم، بشأن كيفية مساهمة أو مساعدة الكنيسة في استثمار أهميتها وعلاقاتها المتميزة لحلحلة مشكلات أبناء شعبنا المسيحي في الإقليم (ملف التجاوزات، التعيينات، إصلاح المناهج الدراسية، تطوير التعليم السرياني..) وغيرها، قال قداسته: “نعم.. لقد حضر نجيرفان بارزاني وعدد من أعضاء حكومة الإقليم مراسيم الرسامة، كما قمنا بزيارة رسمية لرئاسة الإقليم وتلمسنا تقديراً طيباً منه شخصياً لنا وللكنيسة بصفتنا أبناء لهذا الوطن، ومنذ رقود (مثلث الرحمات- مار دنخا الرابع) البطريرك الأسبق للكنيسة، برزت فكرة إعادة الكرسي البطريركي للعراق أولاً، ومن ثم جعله في أربيل عاصمة الإقليم ثانياً، بعد أن كان قد تم إخراج وطرد الكرسي البطريركي في عهد البطريرك مار إيشاي شمعون عام 1933 من دون إرادته، حيث انتقل إلى الغرب إلى حين اعتلاء قداسة البطريرك مار كيوركيس الثالث صليوا للكرسي البطريركي عام 2015 حيث تمت إعادة هذا الكرسي إلى العراق”.
وأضاف، “بناءً عليه؛ لا بد لنا من أن نؤسس على ذلك لفائدة أبناء الكنيسة والأمة، كما أننا ومن خلال جولاتنا الرعوية التي نقوم بها حالياً في رعيات الكنيسة في قرى ومدن الإقليم فإننا نتلقى العديد من المعلومات بشأن القضايا التي يمكن أن نشارك في معالجة ما تشهده من معوقات، وسنقوم بالتالي بالتواصل مع رئاسة الإقليم تحريرياً أو بالإشعار والطلب لإنجاز هذه المعالجات”، مؤكداً أنه “مع أننا آباء روحانيون؛ لكننا معنيون أيضا بالأمور الحياتية للمؤمنين وبما يمكننا القيام به من أجل راحتهم ولتحقيق العيش بسلام مع الجميع وتوقيرهم بحسب رسالة السيد المسيح. فنكون أبناء أمناء لكل البلدان التي نعيش فيها ولقوانينها”.
وأكد: “نحن ككنيسة المشرق وكآشوريين فإننا أمناء لوطننا ولقوانينه، وسنؤدي واجبنا تجاهه، وننتظر من السلطة أن تؤدي بدورها واجباتها تجاه شعبنا”.
 
رسالة أخيرة
وختم قداسة البطريرك “مار آوا الثالث” حواره مع “الصباح” بالقول: “نلحظ علامات إيجابية يشهدها الوطن حالياً، ومن ذلك الانتخابات العامة القريبة التي نأمل أن يؤدي الفائزون فيها خدمات طيبة للعراق كما يقتضي الواجب بعد أن مر هذا البلد بصعاب كثيرة أرهقت شعبه الذي ينتظر فعلا مجتهدين يقدمون الوطن على أنفسهم، وهكذا فإن وطننا سيتمكن اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين، أن يتقدم إلى أمام من خلال المسؤولين.. سياسيين كانوا أم خدميين ينهجون نهج تقديم الوطن على 
الذات”.