التطبيع.. وخيانة القيم

آراء 2021/10/03
...

 د. يحيى حسين زامل
 
 لكل مجتمع قيمه الخاصة به، وهذه القيم هي التي تحافظ نظمه وانساقه وتواصله مع المجتمعات الأخرى، وأن التنصل أو خيانة هذه القيم سيدعو بالنهاية إلى انتقام هذه القيم من أصحابها، بوصفه تعاملاً ضدياً وعكسياً فينتج ضياع للهوية والشخصية الأساسية لذلك المجتمع، يجري هذا الحديث عن القيم الفاضلة والإنسانية المتفق عليها في أكثر المجتمعات، من العدالة والمساواة والخير والحرية واحترام الآخرين وعدم الاعتداء عليهم وسلبهم حقوقهم، فإذا تفشى الظلم وسادت سلطة القوة والعصبيات القومية والقبلية انهارت تلك المجتمعات بشكل كلي كنتاج للانهيار القيمي الأول.
 يجري الكلام اليوم عن «التطبيع» مع كيان عنصري غاصب احتل الأرض الفلسطينية وشرد أهلها بدعوى السلام، والسلام بحد ذاته شعار محترم في كل المجتمعات ولكن يجب ان يكون من جهات متوازنة الأطراف يقدم حسن النية في العمل من خلال رد الحقوق إلى أهلها، ولكن حين يدعو البعض للسلام مع كيان سالب للحريات والأوطان والحقوق ومنتهك كل القيم المتفق عليها في المجتمعات الدولية والمحلية، فإنهم بذلك ينتهكون هذه القيم التي تسوّر حياتنا وتنظم بناءاتنا الاجتماعية والثقافية والحضارية، كما أن الانصياع لهذه الدعوات هي محو لذاتنا وهويتنا وارادتنا وبالتالي احترامنا، فأي سلام هذا الذي يتخلى فيه الطرف المسلوب عن حقوقه ووجوده وكيانه، وأي احترام سيلقى هذا المتنازل عن حقه في سياسة الطرف الآخر وثقافته، أنه سلام الأقوياء الغاصبين الذي يطلب به الطرف الآخر في التخلي عن قيم الشرف والاحترام والحرية، وأي وجود للإنسان إذا فقد كل هذه القيم في حياته، إلا أن يكون مسخاً أو سنخاً بيولوجيا من نوع آخر، وبالتالي سينهار ذلك المجتمع، لأنه تخلى عن قيمه التي تحافظ وتحقق التوازن في بنائه الاجتماعي والثقافي والسياسي. 
 لذلك يكون النجاح والتقدم والازدهار حليف المحافظين على القيم الفاضلة، وإن عانوا العنت والتعب والقتل والتشريد وسلب الحريات، فهذه المقاومة البشرية والإنسانية تأتي قبال الذل والمهانة والاستعباد، وهي مقاومة مشروعة اعترفت بها كل النظم السياسية والأممية وشرعتها اخلاقيات العمل عند مختلف المفكرين والفلاسفة والسياسيين، وللسلام شروطه التي تحتم ارجاع الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، واحترام الذات والهوية، فهل يوفر الطرف الآخر هذه الشروط لتحقيق سلام عادل ومتوازن، هذا هو جوهر المقال.