في مفهومي الدولة واللادولة

آراء 2021/10/04
...

 رزاق عداي
يتفق الكثير من المفكرين في أوروبا ان استكمال الدولة الالمانية في القرن التاسع عشر جسد النموذج الحديث للدولة، ولا عجب في ذلك لاسيما ان ذلك تزامن مع كتابات اهم فيلسوفين عبر التاريخ تحدثا في هذه الموضوعة الرئيسية في تاريخ الفكر الانساني، هما {هيغل} الذي رأى أن الدولة هي التجسيد الواقعي والتاريخي للعقل في حركته الجدلية، ومن بعده  {كارل ماركس} الذي وصفها بأنها الآلة او المؤسسة التي تحمي وتؤمن مصالح الطبقات الاجتماعية المهيمنة. وان الدولة هي دنيوية صرفة في الشؤون حتى وان سميت دولة دينية.
 
 فالمانيا الحديثة تميزت بسرعة انجاز البناء في كل المراحل الصعبة التي واجهها وهذا ما يشكل علامة فارقة للطبيعة الالمانية، فقد تخلصت بسرعة من العلاقات الاقطاعية حالما فككت البنى الاجتماعية -الاقتصادية للمقاطعات الالمانية، التي كانت تعيش علاقات متاخرة قياسا الى كل دول اوروبا الاخرى، حتى الصغيرة منها كهولندا واسبانيا، ففي الفترة المحصورة مابين 1850 الى 1880 تقدم تشَكل الكيان الالماني بزعامة {بسمارك} وتحققت طفرات اقتصادية كبيرة على مستوى الناتج القومي الألماني وارتفاع انتاجية العامل الالماني الفردية وفاقت كل مثيلاتها في اوروبا، كما تمكنت عن طريق التكامل الاقتصادي الذي تحقق في اعقاب تفكك الاقطاعيات القديمة وزيادة التبادل التجاري على مساحة الجغرافية الالمانية، أن تمنح العالم اجمع مفهوما حديثا وتجريبيا للأمة التي يشكلها تكامل جغرافي – اقتصادي، بدلا من التوصيفات السلالية والعرقية والدينية-، في اعقاب الحرب العالمية الثانية وفي فترة العشرينات تمكنت الدولة الالمانية من النهوض والبناء بعد الخراب الذي خلفته الحرب العالمية الاولى، حتى انها تفوقت على منافساتها في فترة الثلاثينات، وبالرغم من هيمنة الحزب النازي الذي طبق نموذج اقتصاد الدولة بكفاءة وتمكن من التخلص بسرعة من االاثار المدمرة لازمة الكساد الكبير الذي خيم على العالم في عام 1929، حتى أن قوتها الاقتصادية الفائقة كانت احدى الدالات التي حفزتها على اكتساح الدول المجاورة وتسببها في ونشوب الحرب العالمية الثانية، والنموذج الكوني الثاني الآخر في بناء الدولة الذي قدمته المانيا فقد حصل بعد الدمار الهائل الذي تعرضت له كل مدن المانيا تقريبا، فكان الاعمار اشبه بالسباق مع دول اوروبا والعالم لاحتلال الطليعة في القوة الاقتصادية، وكان لها ان تتقدم بسرعة الانجاز كمقياس عالمي يضرب المثل به.
السر في كل هذا يكمن في النموذج الالماني في قوة الدولة الالمانية في استعادة قدرتها على التنافس مع الاخريات في اوروبا والعالم، وقد استلمت الحكومات زمام المبادرة حتى في ما بعد اثناء تشكل الاتحاد الاوروبي فقد كانت مآخذ المستشارة الالمانية {انغيلا ميركل} مثلا على الحكومة اليونانية المتقلة بالديون بأنها دولة كسولة شانها شأن الدولة المقابلة لها في الضفة الثانية من شواطئ البحر الابيض المتوسط، بأن ابناءها يظلون مستغرقين في نومهم حتى بعد الظهيرة. 
فلا ندري: هل تشملنا في العراق توصيفة المستشارة الالمانية اننا من الدول التي تستغرق في النوم لما بعد الظهيرة، لا سيما اننا ولغاية اليوم ما زلنا نخوض معترك الدولة واللا دولة والفرق بينهما بعد ان تجاوز عمر الدولة العراقية المئة عام.