مشاركة المرجعيات الاجتماعيَّة في عملية التحول الصناعي

آراء 2021/10/06
...

  د.عبد الواحد مشعل
تتشابك اليوم المرجعيات الاجتماعية والثقافية مع تطبيق القانون المدني في مجتمعنا العراقي الى درجة واضحة، قد ترتقي الى مرتبة الظاهرة الاجتماعية، حتى أصبح من الصعب أن يجد بعض أبناء المجتمع في القانون ملجأ وحيدا لحسم كثير من قضاياهم، فيذهب الكثير منهم الى العرف المحلي أو العشائري لحسمها.
 
ومرد ذلك بروز قوة العشيرة والانتماء للجماعات المحلية الشعبية في المدن ذات الامتداد العشائري، وهذا أمرٌ بات واضحا حتى اتخذ من العرف او السنن العشائرية ذريعة للنزاع والابتزاز لأبسط الأسباب، فسارعت الدولة على اعتبار التهديد العشائري (الدگة العشائرية) شكلا من إشكال الإرهاب وشمول ذلك بقانون الإرهاب، والذي ساعد بدوره على تخفيف حدة الظاهرة أو المشكلة في عموم العراق، إلا أن المشكلة الأساسية - تكمن في طبيعة القيم السائدة في المجتمع التي ترى في تدخل العشيرة في حل النزاعات مطلبا 
اجتماعياـ 
يعود ذلك في احد أسبابه الى جذور الثقافة العراقية التقليدية، فالمشكلة في الأصل مشكلة ثقافية تشكلت مع تشكل بنية تلك الثقافة نفسها التي تمتد جذورها الى الأصول القبلية، ومسألة معالجة ذلك يتطلب وقتا طويلا، وعلى وفق آليات محكمة من السياسات الاجتماعية والتنموية، وهي ترتبط أصلا بمدى قدرة المجتمع والدولة على أجراء عملية تحويل ثقافي بنيوي الذي يتطلب قبل كل شيء تحقيق تحول صناعي بنيوي في مجتمعنا المعاصر، وهذا ممكنا اذا بدأنا على مستوى التخطيط المحلي لإنشاء مصانع لإنتاج سلع ذات مردود اقتصادي، يحتاجها المجتمع في حياته اليومية، فضلا عن تشغيل الشباب سواء في الريف أو المدينة فيها، ما يساعد على اندماجهم في عملية إنتاجية يشعرون من خلالها بتحقيق ذاتهم وتخليصهم من وقت الفراغ الطويل الذي تتخلله ترسيخ كثير من القيم التقليدية والعشائرية، لا سيما في الريف، وان مثل تلك المشاريع المتنوعة التي ينبغي أن تنشر في عموم البلاد على وفق آليات التكامل الاقتصادي وهي خطوة تساعد المجتمع - عاجلا أم أجلا- على الخروج من دائرة التفكير المحلي الضيق دائرة التفكير العملي، وبالتالي ينقله الى مرحلة الوعي بأهمية المؤسسات، وتنامي الشعور بأهمية مؤسسات الدولة واحترام القانون. 
قد يقول قائل إن مثل هذه الخطوة تحتاج الى آليات تطبيقية واقعية وإمكانيات مادية وفنية كبيرة، ولكن تحقيقها ممكن إذا توفرت ستراتيجية متكاملة من قبل الدولة بمشاركة المجتمعات المحلية، وبهذه الخطوة نضع أقدامنا على أول الطريق في تصنيع المجتمع، ومن ثم نقله أو تهيئته الى مرحلة التغيير الثقافي البنيوي بشكل ينسجم مع القيم الثقافية السائدة عندئذ التي تكونت بهذا الفعل، إلا أن ذلك ينبغي ألا يخرج عن اطار خطة تنموية شاملة لكل نواحي المجتمع المادية والبشرية، وان بلورة قيم عمل جديدة كفيلة بوضع أسس تلك المشاريع، والتي ستكون حتما جزءا حيويا لأي اتجاه تنموي يشمل قطاع الصناعة، كما ينبغي الإشارة الى نقطة جوهرية وهي أن الشراكة بين المجتمع الأهلي والدولة في تلك المشاريع، ستوفر الحماية لها من قبل المجتمع الأهلي نفسه، لأنه سيشعر بأنه صاحب المصلحة الحقيقية 
فيها.