فلسفة السعادة

آراء 2021/10/06
...

 د. علي المرهج
كل فيلسوف أو مفكر يسعى للسعادة، وكثير من الفلاسفة كتبوا عن مفهوم السعادة، وأغلبهم من الذين يعيشون الحلم الإفلاطوني في الربط بين الحكمة والسعادة، وكنت من قبل قد نشرت مقالا بعنوان (الفلسفة والسعادة)، وكل قارئ فلسفة يعرف مقدار العلاقة بين الفلسفة والسعادة.
 
وقيل إن الحكيم لفرط ما يمتلكه من حكمة هو السعيد، وتلك بحسب ما أرى رؤية إفلاطونية، تربط ما ينبغي أن يكون ونتمنى ليكون الفيلسوف هو مصداق هذا المفهوم، وكل إنسان يرنو إلى السعادة، وهي مبتغاه، فكيف بالفيلسوف الذي هو في ما ينبغي ونأمل ونحلم أن يكون (صانع السعادة) والعارف بدروب الوصول إليها.
قد تكون السعادة عند فيلسوف ما شعورا آنيا يتحسسه الفيلسوف نتيجة مجاهدة النفس، فيملؤه شعور بالرضا هو أقرب للسعادة، ولكنني على أظن أن الفيلسوف العقلاني لن يكون صوفياً وحالماً ليعيش في لـ(ينبغي) ولـ(يجب)، وكل فيلسوف يتعقل الوجود إنما هو شقي، ولا يصح أن نتخذ من رؤية افلاطون وأبي حسن العامري والفارابي مثالا يُحتذى في تأكيدهم على ربط الحكمة بالسعادة، لأنها رؤية تأملية ومثالية يشتغل فلاسفتها على ما ينبغي أن يكون عليه الوجود الاجتماعي الذي يتحكم بمركزيته رؤية فيلسوف حالم.
كتب (جون غيرش) كتابه "العيش في الفلسفة" وزاد عليه (لوك فيري) في كتابه "تعلم الحياة"، واستكمل الكتابة في هذا المجال المفكر المغربي (سعيد ناشيد) في كتابه (التداوي بالفلسفة)، وجل هؤلاء الفلاسفة والمفكرين حاولوا الكتابة في (الفلسفة من الخارج) بتعبير د.فتحي التريكي في كتابه "الفلسفة الشريدة""، الذي ميز فيه بين الفلسفة بوصفها "ميتافيزيقيا" ورؤية نظرية" والفلسفة بوصفها محاولة لفهم الحياة وسُبل العيش فيها، لتكون الفلسفة في ما سُميّ بـ "لوحقها" أكثر فاعلية في الحياة من جوهرها النظري الذي عرفناه عنها، فلك أن تجد في "فلسفة القانون" و"فلسفة التاريخ" و"فلسفة السياسة" و"فلسفة العلم" و"الفلسفة الاجتماعية" ما يُساعدك على فهم الحياة والعيش فيها بطريقة أفضل، قد لا تساعدك الفلسفة النظرية ببعدها "المتعالي" أو "الميتافيزيقي" لفهم تحديات الواقع وتحولاته.
ليست من مهمات الفلسفة صناعة وهم امتلاك اليقين، لأنها رؤية حول العالم والوجود والحياة للبحث عن معنى أو البحث عن حقيقة، والبحث عن المعنى والحقيقة لا يعني أننا نمتلكها، لإن امتلاك المعنى والحقيقة هو ضرب من ضروب "الأيديولوجيا" التي تحتكر المعنى ويدعي أصحابها امتلاك الحقيقة، والفلاسفة ليسوا كذلك، لأنهم يعملون لفهم المعنى والحقيقة ولا يدعون احتكارها.
مهمة الفلسفة الأساسية تحرير العقل من أسار وأساور الأيديولوجيا و"الدوغمائية" ليعرف الإنسان ما هو فيه. أما ما ينبغي أن يكون عليه، فهو طموح عند الفالسفة ليكون الإنسان سعيداً، ولكنه ممارسة وصاية عليه أيديولوجياً ليكون طريقه وفق رؤية محسوبة بداياتها وخواتيمها.
الفيلسوف هو من يعي مقدار الشقاء في مجتمعه ويعيش فيه، ويُحاول أن يفسره ويفكك منظومته العقدية التي شكلته اجتماعياً.
كل رفاهية في العيش يعيشها الفيلسوف تُحسب عليه لا له إن كان مجتمعه في أشد حالات التخلف والتراجع.
كيف يُمكن للفيلسوف أن يكون المداوي (بتعبير سعيد ناشيد) لجراح المجتمع؟
لا مناص لنا من النزوع لتبني الوعي النقدي وترتيب فاعليته في التربية والتعليم والحياة المجتمعية، لنعيش حياة أفضل لنا فيها وجود ذاتي وموضوعي.
الوجود الذاتي يكون يحضر بمقدار ما نعي قيمة التعقل للوجود والحياة وتقالباتها ودور الفرد في الفهم خارج سطوة الجماعة، والموضوعي يكمن تنمية الوعي المجتمعي بقيمة التفكير الفلسفي الذي يصنعه الفرد "الفيلسوف" ليكون مثل هذا "الوعي الشقي" مشاركاً في صناعة وعي أمة سعيدة.