دخول العراق إلى عصبة الأمم واليوم الوطني للعراق

آراء 2021/10/09
...

 باسم محمد حبيب
يعد كثيرون يوم انتهاء الانتداب البريطاني على العراق في 3 تشرين أول عام 1932 من المناسبات الوطنية المهمة في تاريخ العراق، حتى قبل اختياره يوما وطنيا الذي تم في السنوات الأخيرة، إذ يعزى الاحتفاء بهذا اليوم إلى حب العراقيين للاستقلال وكرههم للاحتلالات الأجنبية، التي جثمت على صدورهم لقرون عدة بعد سقوط بغداد عام 1258 م، فضلا عن أن العراق كان أول دولة عربية تدخل عصبة الأمم
التي كانت تشترط على الدول التي تريد الانضمام لها أن تكون مستقلة، متقدما بذلك على مصر التي سبقت العراق في تأسيس دولتها الحديثة سواء بحكم أسرة محمد علي عام 1805 أو حتى بإعلان انفصالها عن الدولة العثمانية عام 1914، ونظرا لأن هذا الحدث حصل بسبب معاهدة 1930 التي أبرمتها حكومة نوري السعيد مع بريطانيا، فقد عد أحد أهم انجازاتها حتى أن نوري سعيد تنازل عن مناصبه الرفيعة في الحكومة، ليصبح  مندوبا للعراق في عصبة الأمم من أجل أن يحمل شرف  كونه أول مندوب عراقي أو عربي فيها.
لكن هل يعد حقا دخول العراق إلى عصبة الأمم انجازا حقيقيا؟ أم هو في الحقيقة سبب مشكلات العراق وبداية معاناته بعد أن قلصت معاهدة 1930 من الدعم البريطاني للعراق بما في ذلك تقديم ما يلزم من المشورة، بسبب قلة خبرة ساسته بالشؤون السياسية وجهلهم بالكثير من القواعد الدبلوماسية، لذا لا غرابة في أن يتعرض العراق لهزات كبيرة فور دخول معاهدة 1930 حيز التنفيذ و انضمامه لعصبة الأمم، منها ما حصل من إستهداف للآشوريين في سهل نينوى في عام 1933 وما نجم عنه من ضحايا بشرية تخطت أعدادها المئات، ثم ثورات العشائر في الفرات الأوسط وما تسببت به من ارباك كبير للحكومة العراقية التي باتت تحت رحمة بعض المتنفذين من شيوخ العشائر، ثم جاءت الطامة الكبرى بحصول انقلاب بكر صدقي وسيطرة الجيش على السلطة عام 1936 والانقلاب المضاد له بعد سنة من ذلك، ليغدو العراق أول بلد عربي يشهد هذا النوع من التغيير السياسي، وصولا إلى انقلاب نيسان 1941 الذي قاده أربعة من قادة الجيش عرفوا بالعقداء الأربعة لأنهم جميعا كانوا يحملون رتبة عقيد، إذ تمكنوا من السيطرة على الحكم بدعم من الألمان الذين كانوا يحاربون بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، فكان أن أدت حركتهم إلى نشوب الحرب العراقية – البريطانية التي دامت شهرا وانتهت بسيطرة القوات البريطانية مرة أخرى على العراق، ثم توالت النكبات على العراق وصولا إلى عام 1958، الذي شهد انتهاء الحكم الملكي وسيطرة القادة العسكريين على السلطة.
ومن ثم فإن نوري سعيد وساسة العهد الملكي الآخرين هم من يتحملون مسؤولية ما جرى للعراق بتوقيعهم المتسرع وغير المدروس على معاهدة 1930، من أجل أن ينفردوا بحكم العراق ويضمنوا فرض أجندتهم القومية والطائفية وغيرها عليه، فضلا عن إبراز أنفسهم كأبطال قوميين حققوا ما عجز عن تحقيقه غيرهم في الدول العربية الأخرى، فسقطوا في فخ الرغبة في إعلاء الذات والحصول على الصيت والمكانة السامية، وإلا فقد كان بإمكانهم عقد معاهدة تضمن للعراق الدخول إلى عصبة الأمم الذي هو طموح كل عراقي محب لوطنه ومعتز بتاريخه وحضارته، لكن وفي الوقت نفسه ضمان الحصول على دعم أكبر من بريطانيا، أي لم يكن عليهم التخلي عن الدعم البريطاني المهم والثمين الذي تسبب التخلي عنه بكوارث كبيرة للعراق، ما دعاهم إلى محاولة الحصول عليه مرة أخرى عند محاولتهم التوقيع على معاهدة 1948 المسماة معاهدة بورتسموث، وبعد فشلهم في التوقيع عليها حاولوا مرة أخرى هذه المرة تحت مظلة حلف بغداد، الذي جرى التوقيع عليه عام 1955 والذي أنهى معاهدة 1930 الفاشلة، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل أيضا لأنها لم تضمن للعراق ما يحتاجه من المساعدة التي تقيه الهزات السياسية والانقلابات العسكرية، وعلى الرغم من أن الانقلاب الذي قاده عبد الكريم قاسم في 14 تموز 1958 جاء كرد فعل على ما كان يعانيه العراقيون من أبناء الطبقة الفقيرة من ظروف معاشية صعبة و حياة بائسة وأوضاعا مأساوية في جوانب عدة، إلا أنه في الوقت نفسه كان البداية أيضا لعهد بات فيه الضباط  والقادة العسكريون هم أصحاب النفوذ في البلد والمتحكمون بقراره السياسي لاسيما بعد انقلابي 8 شباط 1963 و17 تموز 1968 اللذين أسسا على التوالي لحكم العسكر والحزب الواحد الذي أستمر إلى ما يقرب من 35 سنة، إذ كانت خاتمته تعرض العراق لاحتلال جديد هذه المرة من قبل القوات الأمريكية في 9 نيسان 2003 .
ومن ثم فإنني أرى أن اختيار هذا اليوم ليكون يوما وطنيا للعراق لا يتناسب مع ما شهده العراق من أزمات نتجت من سوء تقدير قادته السياسيين الذي عملوا على ضم العراق إلى عصبة الأمم من دون مراعاة واقعه السياسي الصعب وظروفه الداخلية المعقدة، فقد كان بإمكان العراق ضمان المعونة البريطانية التي كان يحظى بها قبل التوقيع على معاهدة 1930 حتى مع انضمامه إلى عصبة الأمم، لكن لم يكن المفاوضين العراقيين ماهرين بما يكفي لترتيب وضع يضمن دخول العراق إلى عصبة الأمم مع الاحتفاظ بعلاقات متطورة مع بريطانيا، أما مفهوم الاستقلال الذي ربط دخول العراق إلى عصبة الأمم به فهو مفهوم نسبي، إذ ربطه بعضهم بتأسيس الدولة العراقية الحديثة أو المملكة العراقية في 23 آب 1921، الذي هو يوم تتويج الملك فيصل ملكا على العراق، أو بـ 14 تموز 1958 الذي تم فيه إنهاء الحكم الملكي وتأسيس الجمهورية، أو حتى بيوم تأسيس الحكومة العراقية المؤقتة في 1 تشرين أول 1920، وهو رأي طرحه صاحب المقال عندما شارك في استفتاء حول اليوم الوطني للعراق، إذ جرى اختياره من قبله لأنه يصادف بداية تـظاهرات تشرين أول 2019، لأن الحقيقة هو أنه لا يوجد يوم يصلح حقيقة ليكون يوما وطنيا للعراق، وهناك يوم آخر مهم لم يركز عليه كثيرون وهو يوم 22 تشرين الأول 1922 الذي وقعت فيه المعاهدة العراقية البريطانية الأولى، وتكمن أهمية هذه المعاهدة في أنها ضمنت اعتراف بريطانيا باستقلال العراق وإن بقي عمليا تحت الانتداب البريطاني، والملاحظ أن كثيرين لم يعدوا دخول العراق إلى عصبة الأمم استقلالا كاملا للعراق بل إستقلالا منقوصا أو شكليا، كما هو الحال مع الأنظمة التي تولت الحكم بعد 14 تموز 1958، ما جعلهم لا يحتفلون به أو يعدونه يوما وطنيا للعراق.