فرنسا والجزائر.. واقع مضطرب بالتناقضات وذاكرة من دون تصالح

آراء 2021/10/14
...

 ْ سعاد العبد الله
 
مرة جديدة يفتح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النار على الجزائر، لتبدأ أزمة ديبلوماسية عاصفة هي استمرار لخلافات وسوء إدارة واستفزازات تتحكم بالعلاقات بين البلدين منذ 
سنوات.  
المشكلة التي تسببت بها تصريحات ماكرون في لقائه مع شباب ثنائي الجنسية، أو جزائري أو فرنسي من أصل جزائري، لا تنطلق من الاتهامات التي وجهها للرئيس الجزائري ولا لنقده النظام القائم في الجزائر، فقد أبدى غير مرة رأيه السلبي بما يجري في الجزائر وناصر الحراك الشعبي ضد السلطة وقدم المساعدة لمعارضين لها في باريس. طعن ماكرون بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار، ومهاجمته {التاريخ الرسمي} الجزائري، الذي، وفق قوله، {أُعيدت كتابته بالكامل}، و{لا يقوم على الحقائق}، بل على خطاب {قائم على كراهية فرنسا}، هو ما هز العاصمة الجزائرية أفقيا وعاموديا وأدى إلى رد جزائري سياسي وإعلامي غير مسبوق، إلى درجة وصف التلفزيون الجزائري ماكرون بأنه جلاد التفرقة وعراب المحارق.
سقطة فرنسية تضاف إلى غيرها من السقطات التي يكررها ماكرون بحسب وسائل إعلام جزائرية، وضعت العلاقات بين البلدين على شفير هاوية قد تكون لها عواقب وخيمة، لا سيما أن بين الجزائر وفرنسا تداخلا وثيقا في المصالح والعلاقات الثنائية، منها كما المغاربية والإفريقية، وها هي صحيفة الفيغارو الفرنسية تكاد تطلق رصاصة الرحمة بقولها: {لم يعمل شيء بين فرنسا والجزائر}، بما يوحي بعمق الأزمة الراهنة ووصولها إلى مستوى من التعقيد ما لا ينبئ بتراجع عن المواقف التصعيدية، بينما اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين ما زال معلقًا منذ عام 2017، وقد كان يعقد كل سنة قبل هذا 
التاريخ.
تاريخ من التناقضات
في خلفية المشهد الساخن توتر يبدأ من العلاقات الاقتصادية ليطول المجالات السياسية والعسكرية ومسائل الهجرة والثقافة. باريس لا تزال تتعامل مع الجزائر بمنطق الوصاية والتبعية وهو الأمر الذي أدى بوزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب، لوصف فرنسا قبل نحو السنة بـ{العدوة التقليدية} بينما ترى نخب جزائرية أن الإدارة الفرنسية تعتبر الجزائر سوقا استهلاكية ومصدرا للثروات الطبيعية ينبغي استنزافه مقابل اليسير من الصادرات الجزائرية، وشبه غياب في الاستثمارات المنتجة داخل 
الجزائر.
ويسيطر الغموض على موقف باريس من دعم استقرار وثبات الجزائر وهو ما ظهر جليا خلال أحداث الحراك الشعبي الأخير وتذبذب مواقف ماكرون وإنحيازه المثير ضد الحكم، وأخيرا قرار الحكومة الفرنسية خفض منح التأشيرات للجزائرين والمغاربة عموما بنسبة
50 %، وربطه بصورة أساسية باستهداف {المجتمع الحاكم}. قرار هو بمثابة عقوبات وحصار على الطبقة الحاكمة، إضافة إلى ما قد يتسبب به من ارتدادات كبيرة تحديدا بالنسبة إلى عشرات آلاف الجزائريين الذي يودون الانتقال إلى فرنسا.
تأييد باريس للطرح المغربي في قضية النزاع في صحراء، خاصة بعد قرار حزب الرئيس ماكرون {الجمهورية إلى الأمام} فتح مكتب له في مدينة الداخلة في إقليم الصحراء، رفع من درجة التوتر بين البلدين، إضافة إلى بعض التناقضات في ما يخص الصراع في منطقة الساحل في إفريقيا ومواصلة باريس تجاهل دور الجزائر في مجالها الإقليمي الحيوي.
 
ذاكرة ملتهبة
لم يتم التصالح بين الدولتين والشعبين، ولم تُحل عقد الماضي وبقيت الذاكرة بثقوبها الدامية قائمة وماثلة، من دون إجراءات ملموسة لوضع حد للتناقض القائم بين باريس والجزائر. 
الرئيس الفرنسي اعترف بنفسه بداية العام الحالي بأنه ليس بصدد {التوبة والإنكار}في ما يخص استعمار بلاده للجزائر والاعتراف بمسؤوليتها عن الفظائع التي ارتكبتها، وهي النقطة المفصلية التي يلح عليها الجزائريون ويكررون أهميتها لتصحيح التاريخ وإعطاء الجزائر حقها وحق الشهداء، ويرون أن فرنسا ستظل تتلاعب بملف الذاكرة، مقابل تمسكهم بمحاسبتها على جرائمها التي ارتكبتها في الجزائر طوال 132 عاما، وقد طرح في العام 2010 مشروع قانون جزائي في البرلمان الجزائري، من المفترض من خلاله ملاحقة جرائم الحرب، التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في السابق ومعاقبة مرتكبيها، على غرار اعتراف رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو برلوسكوني رسميًا في شهر آب/ أغسطس 2008 وكذلك في شهر حزيران/ يونيو 2009 بالجرائم التي ارتكبتها إيطاليا في ليبيا خلال فترة الاستعمار.