الديمقراطية والاندماج الوطني

آراء 2021/10/14
...

  كاظم الحسن 
يتساءل البعض، كيف استطاعت دولة مثل الولايات المتحدة الاميركية، أن تبلور او تشكل الهوية و الامة، برغم الاعراق والاديان المختلفة والهجرات المتزايدة، من مختلف بقاع العالم، حتى اصبحت العالم المصغر، بكل اطيافه واشكاله ومكوناته، دون ان يحدث صدام اوشقاق او فوضى او نزاعات بين المهاجرين الى هذه القارة الواسعة.
إنها الديمقراطية التي تتسع للجميع بصرف النظر عن الدين او العرق او القومية، وهذا سر ثرائها وقوتها وصلابتها وقدرتها على تجاوز وتخطي المعوقات، لانها تخلق في الفرد والمجتمع الثقة بالنفس وتزرع فيه الحرية وروح المسؤولية والقدرة على الابتكار والمبادرة، وتحمل العواقب بلا تردد او خوف. لكن الاشكالية التي تثار عن الديمقراطية من قبل البعض، على انها منتوج غربي وليس كونيا وتعد غزو ثقافيا تعمل على الغاء الهوية وخصوصية المجتمع ونمط حياة الامم، وهذه النظرة القاصرة غالبا ما تصدر عن مجتمعات مغلقة، يحكمها الاستبداد والعنف ويغلفها الفشل في جميع المجالات، من دون ان تتحمل وزر المسؤولية. 
ونجد الكثير من اعلاميين واكاديميين ومثقفين يدافعون عن ضرورة التلاقح الثقافي وتبني مشروع الحداثة في مجالات الادب والصناعة تحديدا، ويقيمون سياجا عازلا للنظام السياسي ويعدونه من الثوابت الوطنية، التي لا يجوز المساس بها. انهم يعتمدون على نظرية (اهون الشرين)، على اعتبار ان التطرف الديني سوف يملأ الفراغ ويعود بالمنطقة، الى ماهو أسوأ مما كانت عليه. اذن ماهي البدائل الذي تحل مكان فساد الدكتاتورية؟. اذا كانت هذه الانظمة، لا تسمح ببناء مجتمع مدني او قوى سياسية منافسة لها وتحرم عليها الانشطة والممارسات، التي تخالف نهج السلطة وتحكم عليها بالنفي والخيانة ومايترتب على ذلك، من ضمور للحريات وثقافة حقوق الانسان، مما يولد شبيه الدكتاتورية في التطرف، والذي يقابل الالغاء والاقصاء والنفي بشيء مماثل ويجعل المجتمع ساحة حرب، للقوى التي لاتعترف بالرأي الاخر، على انه جزء من العملية السباسية والاجتماعية وانه مكمل لها وتصنفه على أنه شيء طارئ وغريب وشاذ. 
وهنا يصبح الدكتاتور ونقيضه المتطرف جزءا من الازمة، التي تضرب المجتمع. فاذا كانت الانظمة الدكتاتورية تتحدث عن الفتنة النائمة وهي تحكم منذ اكثر من ثلاثة عقود، من دون ان تعمل على علاجها ووضع حلول مناسبة لها، الا يعني هذا انها تعمل على تفتيت الوطن من اجل البقاء في الحكم اطول فترة ممكنة، والتهديد بصنيعتها من اجل ديمومتها، وهذا بطبيعته لن يؤدي الى الاندماج الوطني والقومي، بل يجعل الازمات والمشكلات خامدة، تحت الرماد تنتظر الشرارة، لكي تحرق كل شيء حولها. 
وما الكلام الذي يقال عن الاستقرار الذي تخلقه تلك الأنظمة الا محض خرافة.