حق الانتخاب.. التنظيم والتقييد في المشاركة الأخيرة

آراء 2021/10/16
...

 سالم روضان الموِسوي
تعد الانتخابات الوسيلة الأساسية التي تؤهل الناس للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم، والتي بدورها تعد حقاً أساسياً من حقوق الإنسان كافحت من أجله الشعوب في جميع أنحاء العالم، ويعد حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، فهو وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية من شخص إلى آخر، أو من مجموعة إلى أخرى، وأشار دستور العراق لعام 2005 إلى هذا المفهوم في ديباجته بانتهاج سبل التداول السلمي للسلطة مثلما أكدها في المادة «6» التي جاء فيها الآتي «يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور». 
 
وكانت المادة «5» من الدستور قد أوضحت بان الشعب مصدر السلطات ويمارسها عبر الاقتراع وعلى وفق النص الآتي «السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته» والانتخاب هو أي وسيلة تتبع لأخذ رأي قطاع معين من الناس في أمر ما أو اتخاذ قرار، وعادة ما يكون مسبوقاً بالحملات الانتخابية، ويسمى أيضاً بالاقتراع والتصويت، كما يعرف الانتخاب بأنه نمط لأيلولة السلطة يرتكز على اختيار يجري بواسطة تصويت أو اقتراع، لذلك يرى بعض الكتاب في الفقه الدستوري ان قانون الانتخابات هو الابن الشرعي للنظام السياسي ووريثه الوحيد الذي يرفده بالنخب السياسية من بيئته نفسها او انه مرآة النظام يتبعه كظله ولا يتمرد عليه، ويعد الانتخاب حقا لكل فرد في المجتمع ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ الاقتراع العام أي مساهمة جميع أفراد المجتمع البالغين سن الرشد في الانتخاب، ولكن بما أنه حق شخصي فلا يترتب عليه أي إلزام، أي أن للفرد حقا في أن يمارس هذا الحق ويشترك في عملية الانتخابات ويدلي برأيه، أو من حقه أيضاً أن يمتنع عن ذلك، كما يرى بعض الكتاب وفقهاء القانون الدستوري أن حق الانتخاب هو سلطة قانونية مصدرها الأساسي هو الدستور، الذي ينظمها من أجل إشراك المواطنين في اختيار الحكام، ولتحقيق المصلحة العامة، لان القانون هو من ينظم عملية الانتخابات وكيفية أدائها وللمشرع وحده ان يحدد الشروط اللازمة للقيام بذلك ويعدل فيها سواء بالتقييد او التيسير، طبقاً لما يتطلبه الصالح العام، وان يجعل الانتخاب مقصوراً على بعض دون الآخر وهذا الرأي يكاد يكون الراجح في الفقه الدستوري، وفي العراق فان الرأي الغالب هو اعتبار الانتخاب سلطة قانونية يمنحها الدستور والقانون إلى الأفراد، على الرغم مصدر السلطات هو الشعب إلا أن السيادة للقانون على وفق ما ورد في المادة «5» من الدستور التي جاء فيها الآتي «السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته» وهذا أتاح للمشرع «مجلس النواب» سلطة تنظيم ذلك الحق بالقدر الذي يتمتع به بموجب خياراته التشريعية، لكن لا يجوز للمشرع ان يمنع أي مواطن متوفر على شروط الانتخاب وهي الأهلية من ممارسة حقه في الانتخاب، لان المشرع قد أشار الى المادة «الأولى» من قانون انتخابات مجلس النواب رقم «9» لسنة 2020 الى ذلك عندما عرف الناخب العراقي بانه «العراقي الذي تتوفر فيه الشروط القانونية والأهلية للتصويت في الانتخابات»، بمعنى ان يكون بالغ سن الرشد وهي تمام الثامنة عشرة عام وعلى وفق ما ورد في المادة «106» من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل، فضلا عما جاء في المادة «20» من الدستور التي جاء فيها الاتي «للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح» وهذا اطلاق دستوري بوجوب منح المواطن العراقي حق ممارسة الانتخاب ولا يجوز ان يمنعه او يقيد أي نص قانوني مهما كان لان الاعلوية للنصوص الدستورية، والدستور الزم الدولة بتنظيم عملية الانتخاب بقانون وعلى وفق ما جاء في المادة «49/ثالثاً» من الدستور، ومن خلال العرض أعلاه نجد ان الدولة ممثلة بالسلطات «التشريعية والتنفيذية والقضائية بما فيها مفوضية الانتخابات» ملزمة بتوفير كل الظروف المناسبة لتمكين المواطن من ممارسة حقه في الانتخاب، ولها ان تنظم هذه الممارسة وهذا ما قصده الدستور بالتنظيم، عندما أشار إلى تنظيم ممارسة حق الانتخاب الوارد في المادة «49/ ثالثاً» أعلاه، ومفهوم التنظيم هو بانه الالية التي ترد على كيفية استعمال الحق، ولا تتضمن عدواناً عليه بالانتقاص منه او منع ممارسته، أما التقييد فهو يرد على اصل الحق فينتقص منه ويمنعه وهذا ما اشار اليه فقهاء القانون الدستوري، لذلك ليس لمفوضية الانتخابات ان تقيد ممارسة هذا الحق بمنع فئات من الشعب من ممارسة دورها في حق الانتخاب، وفي الانتخابات الأخيرة وجدنا ان المفوضية قد تعدت دورها في التنظيم إلى التقييد عبر حرمان عدة فئات من ممارسة حق الانتخاب ومنها 
الاتي:
• حرمان العراقي المهجر من ممارسة حق الانتخاب، وهؤلاء يشكلون جاليات عراقية مؤثرة في المشهد الانتخابي من ممارسة حقهم في الانتخابات، وجاء في قرار المفوضية بان اقتراع العراقيين المقيمين في الخارج لن يجري في الانتخابات المبكرة وعللت ذلك بضعف الامكانيات المالية والموارد المتاحة، وعلى وفق ما جاء في بيانها الصادر في حينه والذي جاء فيه الاتي «المفوضية واجهت عدة معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية أهمها أن إكمال عملية تسجيل الناخبين العراقيين في الخارج بايومترياً بمراحلها كافة تحتاج الى «160» يوماً تقريباً في الظروف المثالية، بينما المدة المتبقية هي «40 يوماً» فقط لذلك لم يسمح لهم بالانتخابات» وهذا على خلاف نص مواد دستورية وقانونية نافذة، لان الدستور منح هؤلاء حق الانتخاب، ولا يجوز حرمانهم منه مهما كان، وهذا ما أشارت اليه المادة «20» من الدستور، فضلا عن نص المادة «الأولى» من قانون انتخابات مجلس النواب رقم «9» لسنة 2020 التي عرفت الناخب وصنفته إلى ثلاثة أصناف، ومنهم العراقي المهجر الذي عرفته بانه «لعراقي الذي جرى تهجيره من مكان إقامته الدائم إلى مكان خارج العراق لأي سبب كان» كذلك ما جاء في أهداف قانون الانتخابات من تمكين كل عراقي من ممارسة حقه في الانتخاب وعلى وفق ما ورد في المادة «2» طالما يتوفر على الشروط الواردة في المادة «5» التي جاء فيها الاتي «يشترط في الناخب أن يكون اولا: عراقي الجنسية ثانيا: كامل الأهلية ثالثا: اتم الثامنة عشرة من عمره في السنة التي تجري فيها الانتخابات. رابعا: مسجلا في سجل الناخبين وفقا لأحكام هذا القانون والأنظمة والإجراءات التي تصدرها المفوضية ولديه بطاقة ناخب الكترونية، مع إبراز احد المستمسكات الرسمية الثلاث هوية الأحوال المدنية أو البطاقة الموحدة أو شهادة الجنسية العراقية، «ومهمة المفوضية الأساسية هي إجراء انتخابات حرة ونزيهة تمكن جميع العراقيين من ممارسة حق الانتخاب وعلى وفق ما ورد في الأسباب الموجبة لقانون المفوضية رقم 31 لسنة 2019 التي جاء فيها الاتي «بغية إجراء انتخابات حرة نزيهة يطمئن لنتائجها الناخب، وضمانا لشفافية اكبر وانسجاما مع التوجيهات الإصلاحية التي طالب بها 
الشعب»
• حرمان فئة من منتسبي القوات المسلحة الممثلة بتشكيلات الحشد الشعبي، حيث منعت مفوضية الانتخابات منتسبي الحشد الشعبي من المشاركة في التصويت الخاص، معللة ذلك بان الأسماء لم تقدم اليها خلال المدة القانونية، وهذا عذر غير مقبول، لأن مهمة المفوضية تنظيم عملية الاقتراع وعليها يقع عبء تنظيم العملية والحصول على جميع المعلومات بحكم صلاحيتها الممنوحة لها بحكم القانون، وهذه ليس من مسؤولية منتسب الحشد الشعبي، فلا يجوز حرمانه بسبب لا يد له فيه، مع ان الدستور منحه هذا الحق عندما منعه من ممارسة العمل السياسي في الترشيح وغيره، باستثناء حقه في الانتخاب وعلى وفق ما ورد في المادة «9/أولا/ج» من الدستور، التي جاء فيها الاتي «لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخاباتٍ لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها، ولا المشاركة في غير ذلك من الأعمال التي تمنعها أنظمة وزارة الدفاع، ويشمل عدم الجواز هذا أنشطة أولئك الأفراد المذكورين آنفاً التي يقومون بها بصفتهم الشخصية أو الوظيفية، دون أن يشمل ذلك حقهم بالتصويت في الانتخابات» والحشد الشعبي من تشكيلات القوات المسلحة على وفق ما جاء في المادة «1/اولا» من قانون هيئة الحشد الشعبي رقم «40» لسنة 2016 التي جاء فيها الاتي «أولا: تكون هيئة الحشد الشعبي المعاد تشكيلها بموجب الامر الديواني المرقم «91» في 24/12/2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية، ويعد جزءا من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة». 
• اصدار تعليمات حرمت العديد من المواطنين من ممارسة حقهم في الانتخابات تحت ذريعة عدم الحصول على البطاقة البايومترية والتعقيدات التي وضعتها أمام ممارسة هذا الحق، وهذا يعد منعا وتقييدا وليس تنظيما لأن الدستور لم يشترط أي وسيلة محددة لممارسة هذا الحق، كذلك القانون النافذ لم يحصر ذلك بنوع محدد وإنما أشار إلى ان يكون عبر بطاقة بايومترية سواء كانت جديدة ام قديمة، بينما مراكز الاقتراع حرمت من لديهم بطاقة غير محدثة، على الرغم من ان تلك البطاقة فيها جميع المعلومات وحتى بصمة الأصابع.
لذلك ومما تقدم فان مفوضية الانتخابات قد خالفت أحكام الدستور عندما قيدت ممارسة حق الانتخاب، وتعده الى منع الممارسة، والذي يعد خرقا دستوريا اثر سلبا في مخرجات الانتخابات الأخيرة، واصبحنا امام قيد ومنع لممارسة حق الانتخاب وليس لتنظيم ممارسة ذلك الحق الدستوري.
 
 قاضٍ متقاعد