إذا بقيت المحادثات متلكئة مع إيران!!

آراء 2021/10/19
...

  سيمون تيسدال
  ترجمة: أنيس الصفار
في الاسبوع الماضي صدرت تحذيرات متناغمة عن الولايات المتحدة واسرائيل والاتحاد الأوروبي مفادها أن {الفسحة الزمنية تضيق} أمام احياء الاتفاقية التي تقيد نشاطات إيران النووية. هذه التحذيرات أثارت سؤالا مقلقاً: ترى ما الذي ستقدم عليه حكومات تلك الدول إذا ما ظلت الامور متعثرة نحو المفاوضات وفي الوقت نفسه تراكم ما تحتاج اليه لتطوير قدراتها النووية؟.                                         
الاسرائيليون يعلنون بلا مواربة أن كل يوم يمر، وكل تأخير في سير المفاوضات، يقرب إيران من القنبلة النووية وان عليهم التحرك قبل حدوث ذلك، كما قال وزير الخارجية {يائير لبيد}.
أما وزير الخارجية الأميركي {أنتوني بلنكن"} فقد كان أكثر حذراً إذ قال: {نحن مستعدون للانتقال الى خيارات أخرى إذا لم تغير إيران مسارها، ولكننا نبقى على اعتقادنا بأن الدبلوماسية هي السبيل الأنجع}. كذلك عبرت المستشارة الألمانية {أنجيلا ميركل}، خلال زيارتها للقدس، عن توقعها بأن جمود المفاوضات أخذ يقترب من لحظة {حاسمة}.
آخر ما يتمناه الرئيس الأميركي {جو بايدن} وهو في خضم محاولاته لتحرير يديه من تشابكات الشرق الأوسط والتركيز على الصين هو أن ترتكب اسرائيل عملاً عسكرياً ضد إيران يشعل النيران في المنطقة كلها. رغم هذا لا ينفي رئيس الوزراء الاسرائيلي المتوجس {نفتالي بينيت} هذا الاحتمال ويقول ان العالم ينتظر والإيرانيين يماطلون بينما الطرادات المركزية تدور، على حد تعبيره.
الخوف هنا حقيقي، حيث كشفت عملية استطلاع جديدة اجراها {معهد الديمقراطية الاسرائيلي} ان معظم اليهود الاسرائيليين (51 %) يعتقدون ان اسرائيل كان ينبغي عليها مهاجمة إيران منذ سنوات، حين كانت في المراحل المبكرة من تطوير مشروعها النووي بدلاً من انتظار التسوية عن طريق المفاوضات. في الشهر الماضي قال {أفيف كوخافي}، وهو أرفع جنرال اسرائيلي، أن خطط الاجراء العسكري ضد إيران قد {تسارعت بدرجة كبيرة}.
الأخطار واضحة. بيد أن الأقل وضوحاً هو كيف سيتجاوب الرئيس الإيراني المحافظ ابراهيم رئيسي مع الضغوط الغربية. فمنذ فوزه في انتخابات حزيران بقي رئيسي يرفض العودة الى محادثات فيينا، كما ضيق على اعمال التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة وراح يصعّد النشاطات المرتبطة بالجانب النووي.
يقول حلفاء رئيسي من الخط المتشدد، الذين باتوا يسيطرون على جميع مرافق السلطة في إيران، ان المحادثات ستستأنف {قريباً} من دون تحديد موعد لذلك. الأمر الآخر المثير للتشاؤم هو ان عباس عراقجي، كبير المفاوضين النوويين، قد استبدل بمنافس مثير للقلق هو علي باغيري كاني.
يقول المحلل صاحب صديقي: {كان باغيري عضواً رفيع المستوى في فريق التفاوض الايراني في عهد الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، وهو معارض عنيد للاتفاق النووي لاعتقاده انه ينتهك الحقوق القومية لإيران ويقوض استقلال البلد}.
تواجه الحكومات الغربية الحريصة على محادثات فيينا عقبات مهمة، لأن تخفيف العقوبات عن طريق احياء الاتفاقية النووية ليس من الأولويات الكبرى عند رئيسي أو وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، لاعتقادهما أن إيران قادرة عند الضرورة على السير قدماً بدونها.
يقول صديقي: {تركز ادارة رئيسي على ستراتيجية تجعل في رأس اولوياتها تحييد أثر العقوبات من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الجيران ودول مثل روسيا والصين}. كذلك تعتقد هذه الادارة ان الولايات المتحدة، المصممة على احتواء إيران، سوف تبقى تتذرع بالأسباب لإدامة العقوبات حتى لو أجيبت كل مطالبها.
يتوقع المراقبون ان يمضي رئيسي في الشراكة الستراتيجية مع بكين المتلهفة للنفط والغاز الإيراني. سياسة {التطلع شرقاً} تتضمن ايضاً التوسع في العلاقات مع دول مثل باكستان، التي نأت عنها الولايات المتحدة، ودول في شرق آسيا ووسطها. لهذه الغاية عين مهدي سفاري، وهو سفير سابق لدى الصين وروسيا، بمنصب نائب وزير الخارجية للدبلوماسية الاقتصادية.
حاجة إيران الى الشركاء التجاريين شديدة، ولكنها تجني مكاسب عظيمة من الصعود الصاروخي في أسعار النفط العالمية، كما ان اقتصادها المجهد من اعباء كورونا يبدي دلالات التعافي رغم العزلة المفروضة عليها، وهناك دول اقليمية مثل لبنان الذي يعاني من نقص مدمر في الطاقة تصبح اكثر فأكثر اعتماداً على إيران.
هذا كله يشير الى الشق الثاني في ستراتيجية رئيسي وهو المسعى العازم على اصلاح او توثيق علاقات إيران بالعالم العربي، حيث زار عبد اللهيان مؤخراً مصر وسوريا ولبنان والتقى بزعماء دولة الإمارات، وبعد اشهر من محادثات غير معلنة مع السعوديين استضافها العراق قد تعود العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين قريباً وإذا ما حدث هذا سوف تتحقق خطوة كبيرة باتجاه اصلاح وضع إيران. التحالف المعادي لإيران في المنطقة الذي تدعمه الولايات المتحدة واسرائيل قد يتقوض إذا حذت دول الخليج الاخرى حذو السعودية في ظل تراجع اهتمام واشنطن، ورغم ما يسمى {اتفاقيات ابراهيم} قد ينتهي الحال باسرائيل الى الشعور بالانكشاف والضعف فيجعلها ذلك أكثر تحفزاً لضغط الزناد.
بالمقابل يرتئي {المركز السياسي الإماراتي}أن تحولات إيران لم تدرس دراسة وافية. لا ريب ان هناك مصلحة مشتركة بين الرياض وطهران في تأمين الممرات البحرية والتهدئة في الصراع اليمني، ولكن اصرار رئيسي على مواصلة دعم {حركات المقاومة} في المنطقة سوف يقف عقبة في طريق استعادة العلاقات.
من المستبعد ان يتخلى رئيسي عن عملية فيينا أحادياً، وهذه نقطة لصالح اعدائه، ولكن حين يعود المفاوضون الإيرانيون في نهاية المطاف سوف يفرضون مقابل استجابتهم شروطاً أشد، كالمطالبة بمكاسب اقتصادية متوازنة على المدى القريب، وسيصرون على فصل الملف النووي عن بقية الشؤون مثل الصواريخ البالستية والأمن الاقليمي. وإذ تمضي المحادثات في مسيرتها المتثاقلة ستواصل قدرات إيران النووية تمددها. عند نقطة معينة من ذلك قد يعلن الزعماء الغربيون وقف العملية والتحول الى ما يسمونه {الخطة ب". 
لا يبدو أن احداً يعلم ما الذي ينطوي عليه ذلك، ولكن المحتمل هو انها لن تكون بشرى طيبة.
في ظل العداء الاسرائيلي المستحكم وازدواجية الموقف الأميركي وعجز الأوروبيين وتذبذبهم، ينتهج رئيسي منطقاً صارماً محدداً يتجاهل مشاعر القلق ازاء الانتشار النووي. هذا الموقف يهدد بظهور تشرخ دائم مع الانظمة الغربية.
الأسوأ من ذلك أن الباب سيفتح مشرعاً امام الصقور المروجين للحلول العسكرية من جميع الاطراف، وعدم وقوع حرب مع إيران حتى الان لا يعني انها لن تقع. 
 
عن صحيفة الغارديان