المهم هو الخبز

آراء 2021/10/23
...

 حارث رسمي الهيتي 
 
للأرقام وجهان الأول جميل من حيث إنه قادر على تبيان المعنى وإيصال ما نود، بعيداً عن السرد والحشو والإسهاب الذي من شأنه أن يجعل الفكرة عائمة وغير دقيقة وتائهة في المعاني والمقاصد، والثاني مرعب من حيث إنه يُعني بكشف العلل والمشكلات، التي يكثر الإنكار والتشكيك حولها، وكلاهما يجعلان من الرقم مهماً طالما تكون نية من يتعاطى مع الأرقام هذه إيجاد حل للمشكلة. 
في تقرير نشرته منظمة اليونيسيف في تموز 2020 عن التأثيرات الاقتصادية- الاجتماعية لجائحة كورونا نجد أن أربعة ملايين ونصف المليون عراقي دفعوا إلى ما دون خط الفقر، و42 % من السكان مصنفون كونهم من الفئات والشرائح الهشة، هذه الفئات تواجه مخاطر تتعلق بالتعليم والظرف المعيشي والصحة أكثر مما تواجهه الفئات 
الأخرى.
وحسب التقرير فهي مهددة بالحرمان من مصادر المياه المحسنة. 
أجزم بأن هؤلاء غير معنيين بشكل الحكومة القادم، فالأمر لا يعنيهم إن كانت توافقية أو شكلتها أغلبية سياسية، كما لا تعنيهم المرجعيات الأيديولوجية للكتل والأحزاب، التي تتنافس قبل كل انتخابات وبعدها في سبيل الظفر بمواقع مهمة في السلطة، ما يشغل تفكيرهم هو حياتهم اليومية البسيطة، الحياة التي تغيب عن أغلب برامج تلك الكتل. هم لا يفهمون بسياسة المحاور ولا لغة التحالفات أو لا تعنيهم، كما إنهم لا يستغرقون وقتاً في سماع حديث عن التوازنات، وبعبارةٍ أدق يعيش هؤلاء بوادٍ بعيد كل البعد عن وادي السياسة طالما لا تفكر أو توّفر هذه الأخيرة الخبز لهم. السياسة بالنسبة لهم بطر وترف لا أكثر، ومن المعيب إلقاء اللوم عليهم، فالبحث عما من شأنه أن «يمشي» حياتهم اليومية يستغرق كل الوقت والطاقة والتفكير عندهم. 
هؤلاء لا يعرفون دوستويفسكي ولا روايته الإخوة كرامازوف، ولا يقفون عند أبطالها في حال تحدثنا أمامهم، لكنهم يقولون بشكلٍ أو بآخر ما قاله ايفان كرامازوف حين خاطب المسيح «أنت تزيد عذاب الناس بتعدد الطرق، أعطهم طريقاً واحداً ومعه 
الخبز».