كارثة الانقلابات

الصفحة الاخيرة 2021/10/30
...

جواد علي كسار
 
 
يكشف أرشيف الحياة السياسية في السودان، أن الجيش السوداني وحده قام بأكثر من «30» انقلاباً عسكرياً بين ناجح وفاشل، آخرها الانقلاب التكميلي قبل ستة أيام، على طريقة بعثيّي العراق في انقلاب 17 تموز 1968م، وملحقه الذي استكمله في 30 تموز من العام نفسه.
صحيح أن العالم كله قديماً وحديثاً وفي بلدانه كافة، عرف الانقلاب كوسيلة للإغارة على السلطة، والسيطرة عليها بالعنف العسكري المباشر أو بالتهديد باستعماله، وتغيير النظام عن طريق ذلك، إلا أن الصحيح أيضاً أن الانقلابات سجّلت ولا تزال، كثافة ملحوظة في الرقعة الموسومة بالعالم الثالث، وسط القارات المأهولة الثلاث؛ آسيا بدولها التي تبلغ (50) دولة، وأفريقيا بـ (54) دولة، وأميركا الجنوبية بدولها الاثنتي عشرة.
لقد مررتُ في الطريق إلى إعداد مادّة هذا العمود، بمراجعة مجموعة من الكتب، منها: «الثورات والانقلابات في ذاكرة العالم العربي»، و«ملف الانقلابات في الدول العربية المعاصرة»، أضف إليها مجموعة من البحوث المختصرة والمقالات، فكانت الحصيلة الأولية، هي (86) انقلاباً في أفريقيا، بحيث سارت الوتيرة بمعدل (20) انقلاباً في السنة بعد مرحلة الاستقلال، وانخفضت الآن إلى انقلابين.
أما العالم العربي فتشير الإحصائيات القديمة نسبياً، إلى تقدّم سوريا بـ (34) انقلاباً بين الناجح والفاشل، تليها جزر القمر بـ (24) انقلاباً، وموريتانيا (7) انقلابات، واليمن مثلها، والعراق والمغرب (6) انقلابات لكلٍ منهما، ولبنان والجزائر (3) انقلابات، في حين أشارت الإحصائيات إلى خلو البحرين والسعودية والكويت والإمارات والأردن من الانقلابات.
المعالجة النظرية تنصرف عادة إلى تفسير الظاهرة، على أساس العلاقة الإشكالية المضطربة بين الجيش والسياسة، كما نقرأ ذلك مثلاً في كتاب: «الجيش والسلطة: إشكاليات نظرية ونماذج عربية» و«الجيش والسياسة في مرحلة التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي»، بيدَ أنني أعتقد أن أمثال هذه المعالجات مبتسرة وناقصة إلى حدٍ كبير، لأنها أُحادية النظرة، على حين أن ظاهرة الانقلابات العسكرية في العالم العربي والإسلامي، هي ملف مركّب بأبعاد متعدّدة، لها ركائزها في التكوين الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي والنفسي، وفي العلاقات الدولية أيضاً.
أشهر وصفة يُحال إليها عادةً في مواجهة الانقلابات، هي كتاب الأميركي جين شارب الموسوم: «مكافحة الانقلاب» وسأعود إلى نظريته ووصاياه في فرصة مستأنفة إن شاء الله العزيز.