كما وردني

الصفحة الاخيرة 2021/10/31
...

عبد الهادي مهودر
قبل أن يصبح العالم الافتراضي هو عالمنا الذي نتنفس فيه وجريدتنا الشخصية التي نرأس تحريرها والبوابة التي ليس لها حارس ولا بواب ولا رقيب غير الذمة والضمير، كان يقال (ناقل الكفر ليس بكافر) ولكن العالم تغيّر والحال اختلف كثيراً، وتحت عنوان (كما وردني) اصبح ناقل الكفر (كافر وستين كافر) كما يقول الاشقاء في مصر الذين يستخدمون رقم (60) اكثر من استخدامنا لرقم (56)، واصبح من الشائع تداول منشور او فيديو غير لائق نتلقاه من صديق افتراضي او حقيقي في صفحته الشخصية او عبر (الگروبات) ويبرره بعبارة (كما وردني) ظناً منه بأن هذه العبارة تحميه من اللوم والعتب، وبالأخص اذا كان مقطعاً ترويجيا او مسيئاً لمعتقد او شخصية عامة او جهة سياسية، او يمرره جندي الكتروني بهذه الطريقة الاحتيالية لكي لا نشعر أنه أجير يتقاضى مكافأة مجزية لقاء خدماته وخداعه لاصدقائه الذين يحسنون الظن به، وناشر المحتوى تحت عنوان (كما وردني) إن كان صادقا ونواياه سليمة، فإنه يضع نفسه موضع الشك، فيضطر للتوضيح بأنه شخص محايد لم ينشره إلا بحسن النية ولا يتبناه مطلقاً ولم يقبض فلساً واحداً مقابل توزيعه في جميع (الگروبات)، وبحمد الله اصبحنا جميعاً نمتلك صفحات شخصية واعضاء في مجاميع عديدة، وتولدت لدينا خبرة في شم الرسائل السياسية والاعلامية المباشرة وغير المباشرة، واصبحنا نشك بالاخبار والمقاطع الفديوية التي توزع مع عبارة (كما وردني)، والشك هنا ايجابي لأنه يقود الى اليقين، بل هو واجب عيني وليس كفائياً، ولكثرة الاخبار والمعلومات الكاذبة والتسقيطية وجب علينا التثبت والسعي وراء المعرفة كما يقول الفلاسفة (الشكوكيين) الذين يعجبني فيهم أنهم غير متأكدين من أي شيء مطلقاً إلا كونهم يشكّون في كل شيء حتى يصلوا الى اليقين، «من لم يشك فلم ينظر، ومن لم ينظر لم يُبصر، و من لم يُبصر، يبقى في متاهات العمى» وهذه المقولة ليست للشكاك الفرنسي ديكارت وانما للفيلسوف المسلم الشكّاك ابو حامد الغزّالي، ولو كان الغزّالي حياً لوقف كثيرا عند كل فيديو وكل معلومة ترده تحت عنوان (كما وردني) حتى يتيقّن من سلامة مصدرها وصحتها، فقضية الشك لا تتوقف عند المعتقد والدين والبحث في الوجود، وتتعداها لتجنيب انفسنا خطأ اطلاق الاحكام المستعجلة والظالمة لعباد الله الغافلين والمغفلين الذين لا يحميهم القانون  اذا وقعوا في فخ الاستغفال وصدّقوا بلا تحقق من معلومات وفديوات (كما وردني) التي يبني عليها البعض افعالاً ومواقف وبيانات استنكار تجر عليهم الخيبة والندامة، وبالنسبة لي مرة واحدة فقط ارسلت منشورا منقولاً عبر مجموعة (واتساب) ولم تشفع لي عبارة (كما وردني) فقد جوبهت بعتب شديد من صديق قلت له ان ناقل الكفر ليس بكافر فطالبني بمسح الفيديو فوراً لأنه كان يحتوي على معلومات لم تعجبه، واستجابةً له مسحته، فجاءني (على الخاص) وكرر العتب واللوم مع عبارة (انت تعرف اني شگد احبك) ثم اتصل بي عن طريق (الواتساب) وبعد مقدمة وعظية طويلة اعتذر عن اكمال المكالمة بسبب ضعف خدمة الانترنت واتصل بي هاتفياً، ولأن رصيده أو شك على النفاد طلب عنوان سكني فدعوته الى محل قصابة قريب وحضر بكل حماس وثقة ولم يشبع إلا (بنفر كباب وشيشين تكة)، ومنذ ذلك اليوم تبتُ توبةً نصوحاً ولم انشر اية معلومة او فيديو تحت عنوان (كما وردني)، فاتعظوا يا اولي الالباب.