محمد جواد ظريف وكواليس السياسة الإيرانية

العراق 2019/03/06
...

جواد علي كسار 
 
بين أيدينا أربعون ساعة حوار عن خفايا السياسة الإيرانية في أبرز ملفاتها، وكواليس وزارة الخارجية الإيرانية في نقاط قوّتها وضعفها، كلّ ذلك مع الوزير اللامع الذي أثارت استقالته ثمّ عودته عنها، صدىً استثنائياً لم ينحصر بين جدران إيران وحدها، بل عمّ المنطقة والعالم وأصبح الخبر الأول في أغلب وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية. من المؤكد أن الاستقالة ليست هي الحدَث ولا العودة السريعة عنها، إنما الحدّث هو محمد جواد ظريف نفسه، وإلا ما أكثر من يستقيل ولا تحدث استقالته ضجيجاً، وإن حصل يكون عابراً ثمّ ما يلبث أن يزول.
 

بصراحة، ليست هناك فرصة أفضل من هذه أتاحتها استقالة ظريف وعودته عنها، لفتح ملفين مهمّين من أوسع الأبواب، وتسليط أضواء مكثفة عليهما، الملف الأول؛ معرفة ما أمكن من كواليس وزارة الخارجية الإيرانية والبارز من ملفاتها، ونقاط قوّتها وضعفها خلال العقود التي تلت قيام الجمهورية الإسلامية بعد شباط 1979م؛ والثاني فتح كوّة واسعة على خريطة القوى السياسية في هذا البلد، ومعرفة مديات الصراع بين أجنحة النظام، وتأثير ذلك في العقل الدبلوماسي وعمل وزارة الخارجية، وتالياً على الملفات الكبرى في سياسة إيران الخارجية في الإقليم والعالم.
الانطباع العام عن السفير ثمّ الوزير ظريف، هي ابتسامته التي لا تفارقه حتى عند أصعب اللحظات وفي أحلك الأزمات، ثمّ لغته الإنكليزية الطلقة التي يتأنّق بكتابتها والنطق بها، حتى أفضل من كثير من أهلها. لكنّ حوار الأربعين ساعة يتخطى هاتين الظاهرتين على أهميتهما، ليغوص بعيداً ويجوب في عقل هذا الرجل وتجربته التي تمتد لأربعة عقود، ليضعنا أمام دبلوماسي يتمتع، باختصاص نظري أكاديمي في عمله، وتجربة ممتدّة، وكفاءات ومواهب دفعت السياسي الأميركي الشهير هنري كيسنجر، إهداء كتابه «الدبلوماسي» إلى ظريف، الذي كتب عنه كيسنجر نصاً، في الصفحة الأولى من ذلك الكتاب: «أقدّمه إلى العدوّ الذي يستحق الاحترام؛ محمد جواد ظريف».
لا أشك أيضاً أن تلك الكفاءة وهذه المواهب، هي من وراء أبرز الحملات المتتالية التي تعرّض لها في بلده إيران، داخل وزارة الخارجية وخارجها، من خلال اتهامه علناً بالأمركة، وتهميشه ثمّ تجميده على عهد رئاسة أحمدي نجاد (2005ـ 2013م) وأخيراً طرده من الوزارة والعمل الدبلوماسي ودفعه إلى التقاعد، قبل أن يدفع به الرئيس حسن روحاني إلى الواجهة مجدّداً، لتتجدّد معاناته مع أجنحة الحكم المتنافسة، بل المتصارعة داخل إيران.
 
قرار وقف الحرب
في شهر تموز 1987م أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 598 وفقاً للفصل السابع، وهو يقضي إيقاف الحرب بين العراق وإيران. معنى استناده إلى الفصل السابع؛ أن يتجه مجلس الأمن تلقائياً، لإصدار قرار بفرض العقوبات على الطرف الذي يتخلف، لأن للقرار ضمانة إجرائية. يتحدّث ظريف عن اتجاهين في وزارة الخارجية؛ أحدهما كان يطالب برفض القرار ومواصلة الحرب وتحمّل التبعات، والثاني يدعو إلى التريّث والاستناد إلى أسلوب المماطلة. كان الفريق الأول يستند إلى القوّة العسكرية الميدانية لإيران على الأرض وفي جبهات القتال، والثاني كان يرغب بإنهاء الحرب. أخيراً فاز الاتجاه الثاني بدفعٍ من هاشمي رفسنجاني وفريقه، لكن بالتنسيق مع السيد الخميني.
ترأس فريق تنفيذ استراتيجية شراء الوقت للحيلولة دون العقوبات، الدبلوماسي الإيراني اللامع جواد لاريجاني، بيدَ أن المعادلة في الميدان انقلبت لصالح العراق، بعد هزائم إيران في الفاو ومجنون، ما دفع الطرف الإيراني لقبول القرار. كانت خلاصة التكئة التي استندت إليها وزارة الخارجية وفريق لاريجاني في تنفيذ استراتيجية المماطلة والتأخير، هي مطالبة إيران الأمين العام للأمم المتحدة خاوير بيريز دكويلار ببرنامج تنفيذي للقرار، وهذا ما جعلها تحصد ستة أشهر من الوقت، إلى حين أتمّ الأمين العام صياغة البرنامج.
لكن تبدّل الموقف العسكري ميدانياً لصالح العراق، دفع إلى تبادل المواقف، فراحت إيران تُطالب صيف 1988م بوقف فوري لإطلاق النار والعراق يُماطل، لأنه مرتاح على الأرض، بعكس وضعه عند صدور القرار صيف 1987م حيث كان يُطالب بإيقاف إطلاق النار فوراً وإيران تُماطل.
 
دور الأمير عبد الله
بعد موافقة إيران على القرار، قام العراق ومنظمة مجاهدي خلق بالاندفاع داخل الأراضي الإيرانية، على أمل أن تكون حصيلة الحرب عملياً، هي الهزيمة العسكرية الكاملة لإيران، والنصر المطلق للعراق.
يذكر ظريف أن الأمين العام بيريز ديكويلار، كان جاداً بعد موافقة إيران، بإيقاف الحرب وفرض وقف إطلاق النار فوراً أو بأسرع وقت، لكن جورج شولتز وزير خارجية أميركا يومها اتصل بالأمين العام وطالبه بالتريّث في إيقاف الحرب، وأن ينتظر شهرين (تموز وآب 1988م) ريثما يحين موعد انعقاد الجمعية العامة في أيلول من ذلك العام (1988م). هنا برز ذكاء الأمين العام حين اتصل بالسعوديين، والتقط قلقهم من طموحات صدام المتزايدة، فادّخر هذا القلق والمخاوف لتوظيفهما في اللحظة المناسبة. على خطّ آخر دعا الأمين العام، وزيري خارجية إيران والعراق علي أكبر ولايتي وطارق عزيز إلى لقائه في نيويورك، فلبّا الدعوة لكن طارق عزيز تمسّك بشروط مسبقة لوقف إطلاق النار، بعد أن نسّق مع الجانب الأميركي؛ أبرزها المفاوضات المباشرة بين العراق وإيران بعيداً عن الأمم المتحدة، الأمر الذي أثار حفيظة الأمين العام أكثر، خاصة وأن طارق عزيز ترك نيويورك فوراً بعد عرض شروطه، ما وضع مصير إيقاف الحرب مهبّ الريح.
هنا تحرّكت ألمعية الأمين العام ديكويلار، حين اتصل بالأمير عبد الله ولي عهد السعودية يومذاك، موظفاً قلق السعودية ومخاوفها من صدام، وملتفاً بذكاء على مماطلة جورج شولتز وطارق عزيز. التقط الأمير عبد الله مغزى مبادرة ديكويلار الاتصال به، فبادر من فوره للاتصال بصدام وطلب منه إيقاف الحرب والإعلان عن وقف إطلاق النار. وهذا ما حصل مباشرة، وبهزيمة واضحة لتعالي طارق عزيز، حيث كان الأخير لا يزال بالطائرة في طريق عودته من نيويورك إلى بغداد، حين أعلن صدام من خلال بيان رسمي موافقته على وقف إطلاق النار، لتنتهي حرب السنوات الثماني، بهذا الضغط والتنسيق بين ديكويلار وعبد الله.
 
المفاوضات
بعد شهر من وقف إطلاق النار انطلقت المفاوضات العراقية ـ الإيرانية في جنيف سنة 1988م، تحت رعاية مباشرة من الأمم المتحدة وشخص الأمين العام ديكويلار. يذكر ظريف أن عنصر قوّة العراق في هذه المفاوضات، كان مكشوفاً للإيرانيين، وهو سيطرته على نحو ألفي كيلو متر مربع من الأراضي الإيرانية. لذلك بدا الفريق العراقي برئاسة طارق عزيز مرتاحاً، حين طالب باسترخاء وعلى نحوٍ مباغت تنظيف شط العرب وحفره وتأهيله للملاحة، قبل تنفيذ الانسحاب. يذكر ظريف أن طارق عزيز فعل ذلك على نحوٍ غير بروتوكولي، ففيما كان ديكويلار يتحدّث عن الانسحاب بعد أن أبدى سروره لوقف إطلاق النار، رفع طارق عزيز يده، وتحدّث عن شط العرب، وهذا خلاف قواعد الدبلوماسية المتعدّدة، التي لا تسمح أعرافها بمقاطعة الآخرين. بادر علي أكبر ولايتي من فوره، لعرض مسألة اتفاقية الجزائر سنة 1975م وخرق صدام لها، ما ادّى إلى تشنّج أجواء المفاوضات وشللها.
بشأن الفريق التفاوضي الإيراني، فقد تمّ دعم ولايتي بعدد من كبار المسؤولين من وزراء ومستشارين، والأهمّ تحصين الوزير بالخبراء والمختصين. يذكر ظريف من بين أسماء الفريق الإيراني حسن روحاني (الرئيس الحالي) وشمس أردكاني، ولواساني وحبيبي وناصري وملكي وعطاء الله مهاجراني وسرمدي وممتاز وأنوري وقائد القوّة البرية للجيش الفريق جمالي.
لقد تمّ تحصين ولايتي بمجموعة خطوات متعاضدة، منها إلغاء دور المترجم الرسمي حيث تولى محمد جواد ظريف مهمّة الترجمة بنفسه، ليلفت نظره إلى الجوانب الحقوقية والسياسية الدقيقة. كما جلس ظريف وسايروس ناصري على يمين وشمال ولايتي، لتقديم الاستشارة الفورية له، حيث كان ناصري يقوم بتدوين الملاحظات على الجلسة وتقديمها مباشرة للوزير ولايتي.
من بين إجراءات تحصين الوزير وتحسين أدائه في المفاوضات، هو المبادرة إلى أسلوب ملء الفجوات عبر الحوارات الثانوية، حيث كان يبادر ظريف وسايروس ناصري (هو نفسه الذي شكل فيما بعد مع برزان التكريتي حلقة جنيف) إلى ممارسة الحوارات الجانبية المكثفة مع الأمين العام ومساعديه، فور أن تنتهي الجلسات الرسمية للتأثير فيهم وتوجيه عقولهم. لقد تكاملت هذه الخطوات الثلاث، (تبنّي الترجمة، الاستشارة الفورية، ملء الفجوات عبر الحوارات الجانبية) في تقوية أداء وزير الخارجية يومذاك ولايتي، لكنها لم تزحزح العراق عن مواقفه، إنما فعلت ذلك حلقة جنيف بقيادة سايروس ناصري وبرزان التكريتي، لكن بمبادرة من برزان كما يذكر ظريف.
لم تكن مفاوضات جنيف مباشرة، لكن الوفدين يلتقيان وجهاً لوجه، حيث كان الفريقان الإيراني والعراقي يدخلان القاعة في وقت واحد، من دون أن يتبادلا التحية والسلام فضلاً عن المصافحة، خلا حالة واحدة بادر فيها الدبلوماسي العراقي الراحل عصمت كتاني (ت: 2001م) إلى تلطيف الأجواء، حين تحرّك باتجاه الوفد الإيراني وصافح د. شمس أردكاني.
الحصيلة، لم تكن أجواء المفاوضات إيجابية، بل لم تكن هناك مفاوضات أساساً، إنما صراع وجدل، وتبادل للاتهامات والكلمات البذيئة، كما كان يحصل بين سفير إيران لدى الأمم المتحدة سعيد رجائي ورياض القيسي، حيث كان رجائي وفريقه ينعتون صدام؛ بصدام يزيد الكافر، فيردّ الطرف العراقي بمناداة الوزير ولايتي؛ بالملا ولايتي، والسفير رجائي خراساني؛ بالروزخون رجائي. طبيعي، قد حصل هذا التهاتر اللفظي والتنابز بالألقاب قبل محطة جنيف. وعلى ذمته يذكر ظريف أنه لم يتورّط بهذه المنابزات والأسفاف اللفظي، وأن السفير رياض القيسي شهد له بذلك، في واحدة من زياراته المتعدّدة إلى العراق. أكثر من ذلك، يشير ظريف إلى أنه ارتبط بصداقة مع سفير العراق لدى الأمم المتحدة عصمت كتاني، وحين اشتركا مرّة في برنامج «هذا الأسبوع» لشبكة أي. بي. سي الإخبارية، تبادلا التحية والسلام بمبادرة من الراحل عصمت كتاني، رغم أن الحوار بينهما تمّ في استوديو منفصل لكل واحدٍ منهما.
حين يمرّ على قضية مفاوضات تبادل الأسرى بين الطرفين، يذكر ظريف أن الفريق التفاوضي العراقي، كان متمكناً جداً من الحقوق الدولية، محيطاً بقوانينها ومؤسّساتها وقواعدها وأعرافها، ما سهّل عليه إدارة المفاوضات بكفاءة.
اللقاء بصدام
بعد أن وضعت الحرب العراقية ـ الإيرانية أوزارها، تمّ تعيين محمد جواد ظريف مستشاراً لوزير الخارجية ولايتي لشؤون القرار 598. على هذا الأساس يذكر ظريف أنه اشترك في جميع المفاوضات المرتبطة بتنفيذ بنود القرار، سواء تمت في نيويورك أو جنيف، أو في بغداد وطهران. انطلاقاً من ذلك زار العراق مرّات عديدة، كان من بينها لقاؤه بصدام على عهد الوزير كمال خرازي، بدأت القصة حين زار وزير خارجية إيران خرازي، بغداد لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وغلق الملفات المتبقية من سنوات الحرب، وقد كان ظريف مرافقاً لوزيره، حين تبيّن من برنامج الزيارة، أن في جدوله لقاء وزير الخارجية خرازي بصدام.
ركز الجانب العراقي على ضرورة أن يكون الوفد الذي يلتقي صدام محدوداً جداً وبعدد قليل من الأفراد، لأسباب أمنية تتعلق بصدام، خاصة وإن اللقاء قد تمّ في 2001م، حيث بدت طلائع نذر التغيير تبدو واضحة للعيان. أمام إصرار بغداد قدّم الجانب الإيراني أسماء أربعة من أعضاء وفده للقاء صدام، هم الوزير كمال خرازي، وبرفقته محمد جواد ظريف، والقائم بالأعمال الإيراني ببغداد مع مترجم.
رفض الجانب العراقي العرض الإيراني وطلب حذف المترجم والقائم بالأعمال، وأن يقتصر الوفد على خرازي وظريف. بعد إلحاح الجانب الإيراني وافق العراق على ضمّ المترجم إلى الوفد، لكن أصرّ على عدم مشاركة القائم بالأعمال. يعزو ظريف رفض السلطة لمشاركة القائم بالأعمال بالوفد، إلى أنه مقيم ببغداد، ومن ثمّ فهو على دراية بجغرافية المدينة ومناطقها وأطرافها، وبمقدوره تحديد المكان الذي سيتمّ به اللقاء مع صدام، ولو على نحو الإجمال.
يعطينا ظريف معلوماته عن هذا اللقاء، من خلال تركيزه على مقدّماته التي يسجّل أنها جذابة وموحية ومثيرة جداً، ثمّ يتحوّل إلى ما دار في اللقاء، وأخيراً انطباعه عن صدام.
بشأن المقدّمات يذكر أن الجانب العراقي لم يُحدّد قط موعد اللقاء بصدام، لا يوماً ولا ساعةً، بل قرّرنا في أحد أيام تواجد الوفد في بغداد، التوجّه إلى مدينة الكاظمية لزيارة الإمامين، فما كان من مرافقينا العراقيين إلا أن طلبوا منا نحن الثلاثة؛ الوزير خرازي وأنا والمترجم، أن نمكث بالفندق وندع بقية الوفد يذهب لزيارة الكاظمية لحاله. يذكر ظريف أننا أدركنا من فورنا، أن موعد اللقاء بصدام قد حان، وأنه سيتمّ بهذا اليوم.
فعلا في حوالي الساعة التاسعة صباحاً، وصلت إلى الفندق سيارات من تشريفات الخارجية العراقية، وأقلتنا من محل إقامتنا إلى واحد من القصور الرئاسية داخل مدينة بغداد، حيث وجدنا وزير خارجية العراق يومذاك محمد سعيد الصحاف بانتظارنا. جلسنا في قاعة الانتظار وراح الصحاف يتحدّث إلينا، وبعد برهة جاء المرافق الخاص لصدام الذي تظهر صوره مع رئيسه، حتى في صورة صدام المعلقة فوق رؤوسنا في صالة الانتظار التي نجلس فيها، وتحدّث إلى الصحاف على نحوٍ خاص، فقال لنا الصحاف: ينبغي لنا أن نذهب إلى مكان آخر للقاء صدام. تقدّمنا مرافق صدام بسيارة «بي. أم» كان يقودها بنفسه، وتبعناه نحن الأربعة؛ الصحاف وخرازي وأنا والمترجم، بسيارتين جديدتين ربما كانتا تابعتين للرئاسة.
ظلت السيارات الثلاث تطوف داخل المدينة لمدّة، بهدف تضليلنا فيما يبدو، بحيث لا نتلمس خريطة الطريق. وبعد ذلك اتجه الموكب إلى خارج المدينة وظلّ يناور، إلى أن وصلنا إلى بستان ليس في ملامحه ما يُلفت النظر مطلقاً، سوى موقع حراسة عادي جداً، مما يكثر انتشاره في العراق. بقيت السيارات الثلاث تتحرّك داخل البستان لعدّة دقائق، قبل أن نبلغ بناية عادية جداً، ليس فيها ما يُثير الانتباه. ترجلنا عند هذه البناية العادية البسيطة، حيث كان بانتظارنا اثنان من وزارة الخارجية، وبعد مكثة قصيرة، وتجاوز مجموعة من الممرات المتداخلة، وجدنا أنفسنا في قاعة استقبال فخمة جداً، قدّرنا أنها تقع تحت الأرض، حين دخلنا الصالة العظيمة وجدنا صدام بانتظارنا، فاستقبلنا باحترام.
بعد المجاملات المتداولة بدأ صدام بالحديث، وكانت خلاصة كلامه، ما يلي: إذا كانت هناك إرادة سياسية لدى المسؤولين الكبار، فإن المشكلات الفنية ستكون قابلة للحل. المذهل أن المثال الذي ساقه صدام لهذه الحالة، هي علاقاته مع الشاه، وكيف انتهت محاوراته معه إلى انعقاد معاهدة الجزائر سنة 1975م. ذكر صدام لنا أنه التقى الشاه مرتين، وقد أوضح له بإيجاز تصوّره الكلي العام لحلّ المشكلات بين الطرفين؛ وفي حين أفاض الشاه بالتفاصيل وبكلام طويل، عاد نهاية المطاف إلى الإطار الذي اقترحه صدام، وما أن تمّ الاتفاق السياسي بينهما، حتى انفتح المجال أمام المختصين من الطرفين، لغلق الملفات التي كانت عالقة، وتسوية المشكلات التي كانت تبدو عصية على الحلّ.
يقول ظريف نصاً: لقد كان صدام يتحدّث خلال هذا اللقاء، بثقة عالية بالذات وبمنتهى الإعجاب بشخصه! ومع أن وضع العراق كان ضعيفاً مقابل الشاه، إبّان توقيع معاهدة 1975م، إلا أن صداماً تحدّث عن الواقعة، بصيغة هو من فرض رأيه وموقفه على الشاه. يضيف ظريف: أعتقد أن هذا الإحساس المتضخّم للذات، هو الذي أودى بصدامٍ إلى السقوط.
والآن أيها الوزير ظريف، أذكر لنا انطباعك عن صدام بوضوح وصراحة؟ يقول محمد جواد ظريف، نصاً: إن صداماً شخص بارع جداً، وإن كانت حساباته تأتي خاطئة على نحو عام.
 
الخاتمة
في نهاية القسم الأول من هذه التغطية، ينبغي لي الإشارة إلى أنني اعتمدتُ على الطبعة الفارسية الثانية عشرة، للحوار الذي أجراه محمد راجي، مع الوزير ظريف، وصدر باللغة الفارسية تحت عنوان: «آقای سفیر، گفت وگو با محمد جواد ظریف، سفیر پیشین ایران در سازمان ملل متحد»، أي: السيد السفير، حوار مع محمد جواد ظريف، سفير إيران السابق في الأمم المتحدة؛ إلى الحلقة القادمة بإذن العزيز.