ضحايا التعذيب

آراء 2021/11/02
...

  زهير كاظم عبود 
 

يؤكد الدستور العراقي حرية الانسان وصيانة كرامته ويحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي وجميع المعاملات غير الإنسانية، ويؤكد أيضا بأن لا عبرة ولاقيمة قانونية باي اعتراف انتزع بالإكراه او بالتهديد او بالتعذيب، ومنح للمتضرر جراء تلك الأفعال ان يطالب بالتعويض المادي والمعنوي، ومن خلال هذا النص انسجم قانون العقوبات العراقي بتخصيص فصل عن الجرائم الماسة بحرية الانسان وحرمته والقبض على الأشخاص وخطفهم وحريتهم.

 
التعذيب تحت أي ظروف يعد جريمة مهينة للإنسان، ولا يمكن ممارستها باي شكل من الاشكال، وكان الإعلان العالمي لحقوق الانسان قد أشار في نصوصه الى منع ممارسة كل اشكال التعذيب بحق البشر، ولجأت الأمم المتحدة الى عقد اتفاقيات تلتزم بها الدول بمنع التعذيب ومكافحة أساليبه ووسائله. 
 المتهم بريء حتى يتم أماطه الحقائق الدامغة في دور التحقيق، والتي تبيح للسلطة التحقيقية أحالته على المحكمة المختصة، لمحاكمته وفق النصوص القانونية النافذة والمعمول بها.  
وحيث اننا نسعى الى دولة يحكمها القانون، فإن الأمر يستوجب التشدد بتطبيق نصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 71 المعدل في  مايخص استجواب المتهم، وعليه فلا يجوز استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على اقراره، والوسائل غير المشروعة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر، تهديد المتهم بالإيذاء واساءة المعاملة معه وابتزازه بوسائل عدة واستعمال التأثيرات النفسية للضغط على المتهم واجباره على تناول العقاقير والمسكنات والمسكرات واستعمال المخدرات معه. 
إضافة الى استعمال الأسلوب المتخلف في مرحلة التحقيق بالاعتداء جسدياً على المتهم من قبل المحقق او من يساعده او يأمره بذلك. 
لجوء المحقق والمشرفين على المعتقلات والسجون الى أساليب لا تخلو من التعذيب الجسدي والنفسي والحط من الكرامة البشرية أمراً يستدعي أولا التمعن بالتفكير باستيعاب الثقافة القانونية ومعرفة بينة وتامة للحقوق التي يوفرها الدستور ويحميها القوانين، وبعد أن تثبت ممارسة تلك الأساليب يلزم أن تلجأ المحكمة الى الإدانة، وانزال العقوبة الرادعة بمرتكب هذه الفعال المخالفة لكل القوانين البشرية.  إن اللجوء الى التعذيب دليل فشل المحقق وعدم قدرته على السيطرة وقيادة المهمة التحقيقية، وهي من المهمات القانونية التي نظمها قانون اصول المحاكمات الجزائية، ورسم لها القانون طريقاً دقيقاً لا يمكن مخالفته لأي سبب وبأي حال من الأحوال. 
كما لا يجبر المتهم على الإجابة على الأسئلة التي توجه اليه، وعلى هذا الأساس  تكون جميع اقواله المأخوذة تحت التعذيب والقسر والإكراه غير قانونية اذا ما ثبت ذلك، ومن ثم لا قيمة لها أمام المحكمة المختصة، حين تنظر لحسم القضية المنظورة امامها، إضافة الى عدم قبول التبريرات والذرائع التي تحاول تقديم اعذار بسبب تلك الانتهاكات والتعذيب. 
وإزاء تصاعد وتائر التعذيب الانساني الذي يتعرض له العديد من البشر، ما يجعل هذه الظاهرة المرضية التي تتعارض مع الدستور والقوانين العراقية ومع الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومع القانون الإنساني الدولي، بالنظر للضرر الجسيم والفادح، الذي يلحق بالبشرية وبكرامة الأنسان من جراء التعذيب. 
دفع بمنظمة العفو الدولية أن تعلن أنها تعتزم تكثيف جهودها للتصدي للتعذيب والتصرفات الأخرى القاسية وغير الإنسانية. وذلك من خلال إطلاق حملة ضد التعذيب والمعاملة السيئة، التي يتعرض المعتقلون في إطار الحرب ضد الإرهاب. وأطلقت المنظمة ذلك عشية اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب الذي يتم تخليده في 26 من يونيو(حزيران).
إن هذه الحملة تجسد الصوت الانساني المطالب بوقف التعذيب والانتهاك والامتهان للكرامة الإنسانية الجاري تحت شتى الظروف والأسباب، كما تدعو الحملة الدولية الحكومات كافة، العمل على التصدي للانتهاكات المريرة ومعاقبة مرتكبي جرائم التعذيب الإنساني. 
وفي هذا الصدد تقول منظمة العفو الدولية إن التعذيب هو أدنى مستويات الفساد الذي تشهده الإنسانية. وأضافت أن محاولات تبرير أعمال التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين خلال الحرب ضد الإرهاب تهدد الحظر العالمي ضد التعذيب وسوء المعاملة، ودعت منظمة العفو الدولية جميع الحكومات والجماعات المختلفة عبر العالم إلى استغلال هذا اليوم لوضع حد للتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين. 
ولهذا فإن الدعوة لمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب والانتهاكات البشرية لحقوق الأنسان تبقى قائمة وملحة من اجل عدم تكرارها في مناطق أخرى، ومطالبة منظمة العفو الدولية وهي تدين التعذيب والانتهاكات المريرة للبشرية، فإنها بالوقت تدعو للاقتصاص من المتهمين بالطرق القانونية السليمة وبالأساليب القانونية المنصوص عليها في التشريعات النافذة، من دون ان اعتبار أو حدود أو صفة للمتهمين بهذه الانتهاكات. 
ولعل بلدنا اليوم يعاني من هذه الظاهرة التي يمكن التخلص منها من خلال انتشار الوعي القانوني والثقافة القانونية وتمكين الرجل المناسب ان يشرف على مجريات التحقيق في الجرائم والافعال المخالفة للقانون.