تصفير المشاكل مع دول الجوار

العراق 2019/03/06
...

صالح الشيخ خلف
 
 
يصل الى بغداد يوم الاثنين القادم الرئيس الايراني حسن روحاني في زيارة مهمة تشمل البحث في ملفات ستراتيجية تخص البلدين اللذين تربطهما حدود مشتركة تزيد على الالف واربعمئة كيلومتر، في الوقت الذي شكلت فيه العلاقات التاريخية بين البلدين نقطة ارتكاز تجاوزت من خلالها ثماني سنوات عجاف من الحرب العبثية التي شنها نظام صدام على الجمهورية الاسلامية ذهب ضحيتها الاف العراقيين في محرقة لم يجن منها العراق تحديدا والمنطقة بشكل عام سوى الدمار والدماء والمعاناة التي دفع ويدفع الشعب العراقي ضريبتها .
هذه الزيارة وان كان تاريخها قد حدد مسبقا، الا انها تاتي في ظروف صعبة تمر بها ايران والعراق والمنطقة على حد سواء، فايران تشهد المزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية والامنية التي تمارسها الولايات المتحدة على خلفية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي ابرمته ايران مع المجموعة الغربية عام 2015، والعراق يستعد لدخول مرحلة جديدة من تاريخه المعاصر بعد الانتهاء من القضاء على تنظيم داعش الارهابي ومحاولته إعادة تنظيم علاقاته الخارجية سواء مع محيطه العربي، او مع محيطه الاسلامي، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة ارهاصات المرحلة الاخيرة من القضاء على تنظيم داعش في سوريا وتداعيات تصفية بقايا عناصر هذا التنظيم التي تجري على بعد امتار من الاراضي العراقية .
في مثل هذه التطورات، يحاول الرئيس الايراني ايجاد حل لمشكلة الحدود العالقة بين البلدين على اساس اتفاقية الجزائر التي ابرمها البلدان عام 1975 .
وعلى الرغم من ان الحكومات العراقية السابقة قد ابدت حسن نواياها في تصفير مشاكلها الحدودية مع دول الجوار، الا ان التطورات التي شهدها العراق منذ العام 2003 لم تسمح بايجاد الاجواء الملائمة لحسم ملف الحدود مع الجمهورية الاسلامية الايرانية بالشكل الذي يزيل القلق عند الجانبين .
وبعيدا عن الدخول في تفاصيل اتفاقية الجزائر، الا انها عالجت بالاضافة الى النزاع الحدودي بين البلدين، القضايا الامنية التي تربط البلدين ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية، وعدم السماح باستغلال الحدود المشتركة لاعمال عدائية ضد البلدين، والتعاون لمنع تسلل العناصر المخربة عبر هذه الحدود. 
ان موافقة بغداد وطهران على تفعيل اتفاقية الجزائر من شأنها وضع العلاقات الثنائية على السكة الصحيحة وازالة اي قلق يساور البلدين، خصوصا في ظل التصريحات التي اطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب بشان مهمة تواجد القوات الاميركية في العراق التي قال عنها انها تهدف الى رصد التحركات الايرانية وهو ما ازعج الجانب الايراني الذي اعتبرها تستهدف الامن الوطني ليس في ايران فحسب وانما الامن الاقليمي ايضا بما في ذلك الامن العراقي، اضافة الى الوقوف امام جهود تبذلها بعض الدول الاقليمية لنقل صراعاتها عبر الحدود العراقية الايرانية .
حصول توافق بين طهران وبغداد على تنفيذ بنود اتفاقية الجزائر سوف يحرر العراق من تبعات الكثير من المشاكل التي تهدد السيادة العراقية، شأنه شأن تصفير المشاكل الحدودية مع الكويت والسعودية والاردن. 
واذا كانت المشاكل الحدودية مع ايران قد تسببت في حرب عبثية دامت 8 سنوات، عندها تبرز اهمية التفكير بشكل جدي بازالة اثار وتداعيات هذه الحرب لتكون الحدود المشتركة بين البلدين حدود “سلام”  و”تنمية” بدلا من حدود “تأزيم”  و”توتر” تؤثر في مستقبل الامن والاستقرار بين الجارين الشقيقين العراقي والايراني .
هذا الكلام ينطبق ايضا على الجارة الكويت التي تحملت الغزو الصدامي على خلفية نزاع حدودي مزعوم دفع الشعب العراقي جراءه ضريبة بالغة من شبابه ومستقبله وتسبب في حصار جائر يتذكره العراقيون بألم ومرارة .
ان تصفير المشاكل الحدودية مع دول الجوار العراقي يعتبر نقطة الانطلاق الصحيحة التي يجب ان توضع وفق تصور وطني يرسم معالم العراق الجديد الذي يريد العيش مع جيرانه بمحبة ورخاء وتعاون والذي يجب ان يستند الى قاعدة السيادة العراقية، وعدم التدخل في شؤون الغير، واحترام الارادة الوطنية لكافة شعوب المنطقة، وعدم السماح باستغلال هذه الارادة لمهاجمة دول الجوار .
ان العراق وفق هذه المبادىء والقيم الوطنية يستطيع ان يكون حجر الارتكاز في منطقة الشرق الاوسط لتعزيز الامن والاستقرار في هذه المنطقة .
ان الامكانات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي يملكها العراق تؤهله للعب مثل هذا الدور شريطة توفر تصور وطني، وقراءة سياسية متأنية في عوامل النهضة .