تمكين المرأة ورعاية الطفولة.. منهج وركيزة للتطور

آراء 2021/11/06
...

  د.سلامة الصالحي
يعتمد تطور المجتمعات على أسس ومعايير رئيسية يبدأ بنظام الأسرة وينتهي الى مؤسسات الدولة والمجتمع، وأولى هذه الاسس هي المرأة والطفل، وكيف يمكن بناؤهما البناء الصحيح وتمكينهما وتطوير مقدراتهما للنهوض والتطور. ويعد الجانب الاقتصادي والاستقلال المالي جانبا مهما وأساسيا في أن تكون المرأة فاعلة وواعية في بناء اقتصاد أسرتها وبلدها، فمن خلاله تضمن المرأة كرامتها وتصون نفسها من أي اذلال قد تتعرض له سواء كان فرديا من قبل الزوج او الأسرة أو جماعيا من خلال مجتمع لا انساني قد يجعل منها سلعة للمتعة او ذليلة بائسة في تقاطعات الشوارع تتسول وتتعرض للاهانة والتنكيل
واذا وضعنا في الاعتبار ان المرأة تؤدي أعمالا شاقة في المنزل وخصوصا في الريف وكيف يحدث أن تكون هذه الاعمال بلا مقابل وغير خاضعة للقياس، في توفير وتسخير طاقاتها في العمل المجهد سواء في البيت او الحقل، فان هذا يضيف الى البلاد والاسرة موارد خفية غير محسوبة مع ان الدين والشرائع السماوية فرضت على الزوج كثيرا من الشروط والواجبات، التي يجب عليه القيام بها اتجاه زوجته حتى أن للرضاعة ورعاية الاطفال ثمنا يجب ان يدفعه الرجل لها، ولا يفرض عليها ناهيك عن توفير خادم لمساعدتها في شؤون البيت. غير أننا اخذنا من الدين ما يخدم الرجل ويذل المرأة، وفي دول مجاورة ومسلمة كايران وتركيا، فان للمراة حقوقا لا تجدها في أكثر البلدان تطورا، حتى أنك تشعر ان الرجل قد ظلم كثيرا في موضوعة الملكية والسيطرة المالية التي تكون بحوزة المرأة الى امور وتفاصيل كثيرة تجعل المرأة في قمة تفوقها وقوتها، فلا تستغربوا، تقدم وتطور ونجاح هذه المجتمعات. فالمرأة التي تمد الارض بالبشر لتستمر الحياة هي ذاتها التي بدأت على يديها أولى بوادر الحضارة، حين بدأت بتجربة الزراعة لاطعام أولادها والبحث عن الأعشاب لعلاجهم وترسيخ مفهوم العدالة في رعايتهم وحتى خياطة الملابس وحمايتهم من البرد والحر، والبدء بانتاج المعرفة والثقافة من خلال الموسيقى والشعر والقص والحكي، بالتأكيد لا ننكر دور الرجل في ذلك ولكننا وحتى هذه اللحظة نرى أن البلاد التي تقيم المرأة وتضعها في الواجهة والصدارة، هي أكثر البلدان تطورا وسلاما وأمنا، عكس البلدان والمجتمعات التي تضطهد وتعنف المرأة وتضعها في مرتبة ثانية خلف الرجل فإن هذا يؤكد تخلف وتراجع هذه المجتمعات وتفككها، وبالنتيجة فشلها في مواكبة سير الامم في عيش رغيد متوازن يحترم كرامة الانسان ويحافظ عليها، ولا أستبعد في ذلك افغانستان وما يحدث للمرأة من انتهاك لا يصدق تحت ذريعة 
الدين. 
أول عدو للمرة هي الحروب، الحروب تفتعلها إرادات وزعامات مريضة جاءت من خلفية وعنف أسري وتربية غير سوية، جعلت من الحاكم يرجح كفة الموت على كفة الحياة، من دون أن ننكر أن هناك إرادات دولية تفتعل الأزمات وتشن الحروب تحت شبكة من الصراعات الخفية حول الموارد والأموال والمواقع الجغرافية، في كل مكان بالعالم وأينما تحدث الحرب، تدفع ثمنها النساء والاطفال سواء كانت الدول ضعيفة أو قوية، فرحيل الرجال في الصراعات سيخلف من بعده الأرامل والأيتام وتدخل الأسرة في محنة ومشقة المواجهة مع صعوبات الحياة. وهنا يجب أن تتوقف الدولة وتسن القوانين لرعاية هذه الفئة المضحية من الناس، والتي تتعرض للفقد والفجائع، وتبدأ هنا كثير من النساء بممارسة دورها المضاعف لتعوض غياب الرجل، وكيف تحافظ على أولادها وتتكفل رعايتهم، بمساعدة الدولة ودعم مؤسسات المجتمع.
تعرض المرأة للعنف والاذلال من قبل الاب او الأخ أو الزوج أو حتى الأولاد، يعطي صورة عن انحدار واندثار قيم انسانية عظيمة، بغياب الحنان والعطف والاحترام الذي يدفع بكثير من النساء الى الفرار من المنزل أو الانتحار أو التعرض الى متاعب نفسية تنعكس على صحتها وإدائها وسلوكها مع الآخرين في العمل أو العلاقات الاجتماعية.
النظرة القاصرة والمتدنية للمرأة والتعامل الدوني معها في العمل وافتعال الشائعات وتشويه صورتها وسمعتها من أكثر المحن قسوة، والتي ممكن أن تواجه أي إمراة، خصوصا في المجتمعات الشرقية التي تتعامل مع هذا الأمر بكثير من السلبية والاستهجان التي قد تصل الى القتل وتكون الضحية مرتين من قبل مجتمع يلهو بالأقاويل وأسرة لاتستطيع حماية نسائها من فتك وقسوة هذا المجتمع. 
إن استغلال مقدرات وجهد وأموال المرأة وعدم تمكينها وتطويرها سيؤثر في أبنائها. فالأم المثقفة والمتعلمة والمقتدرة بالتأكيد ستمنح المجتمع نماذج طيبة وراقية ترتقي به، ولا أنكر أن أمهاتنا اللواتي لم يحصلن على التعليم كان لديهن موروث غني من القيم والاخلاق والنواميس، التي أعدت بها رجالا ونساء ناجحين وطموحين، ولكن يبقى التعليم والمعرفة والاستقلال الاقتصادي وحماية المرأة، أسس وركائز قوية في بناء مجتمعات قوية متطورة تتجاوز محنها بسهولة 
واقتدار.