بين القوميَّة والعنصريَّة

آراء 2021/11/06
...

 علي المرهج
ذهب دعاة العنصرية للدفاع عن تبنيهم لفكرة النقاء العرقي للقول بأنها طبيعة بشرية، وربطها بالجذور الجينية للوجود البشري، لا يختلف عنهم دعاة الطائفية أو المذهبية حينما يؤكدون أيضاً أن نزعتهم متجذرة في الوجود البشري، ولا دليل علميا على رؤيتهم هذه، سوى دليل التربية الذي هو ينشأ بالكسب لا بتنامٍ جيني، فبدى لهم وكأنه قدر محتوم على البشر ينبغي لكل فرد أن يؤمن به، ولو كان الأمر هكذا لما تمكن الكثير من البشر الخروج من هذه الحتمية!.
في القومية كما في العنصرية  لعب على المخيال الجماهيري، عبر تصوير القوميين لأبناء جلدتهم على أنهم (أمة قد خلت من قبلها الأمم)، أو عبر تصوير العنصريين لجماعاتهم على أنهم «شعب الله المُختار» دون غيرهم من شعوب الأرض. 
تبدأ كلا الجماعات المفكرة من القوميين والعنصريين بخلق فكرة مُتخيلة في البداية، ثم تتحول بمرور الزمن في حال استمرار التنظير والبحث لها عن مصاديق جزئية لترسخ كفكرة كلية يجد أصحابها بعد زمن الكثير من المؤيدين لهم.
فنحن في العراق ـ مثلًا ـ اليوم نعيش رمزية اللغة العربية، وهي لغة متأخرة في تاريخنا الحضاري وإن كانت بعض القبائل العدنانية والقحطانية قد قطنت أرض العراق وأسست ممالك مثل: الحضر والحيرة. لكن سكان الأهوار في الجنوب هُم امتداد حضاري وعرقي لحضارة أهل سومر، وفيما بعد كان الدين المسيحي ومعه الدين اليهودي هما الديانتان الأكثر شيوعًا قبل دخول الإسلام، ولكن رمزية اللغة العربية بوصفها هي من شكلت الوعي الثقافي في مجتمعنا بفعل انتشار الإسلام كدين وحضارة لم تُبقِ أثًراً للحضارات السابقة بفعل قوة دفقها الحيوي وانجازها الثقافي والعلمي.
إن القول بالنقاء العرقي يدفع للقول بصلة الدم الذي تذهب إلى الدفاع عنه أغلب الجماعات المهمشة والمقهورة رغم تفرقها وتشتتها في المناطق الجغرافية على وجه البسيطة، مثال على ذلك: اليهود والأرمن، بمعنى لديهم نوعان من الانتماء: الأول الإنتماء القومي بالمعنى الحديث للقومية، والثاني هو الانتماء إلى أمة لها أصول وجذور تكوينية تاريخيًا، أمة يُشكلها مخيال صنعه مفكرون ينتمون في جذورهم لهذه الأمة السرمدية أو الأزلية التي يؤكدها وجود احساس عند جماعة تقطن أرض مُحددة وتشعر بهوية وطنية أو قومية واحدة، الأمر الذي شكل تعارضًا بين رؤى الحداثيين بوجود هوية قومية أنتجتها تصورات الحداثة، ولا وجود موضوعيا لها.
لقد أكدَ (أنتوني دي سميث) في كتابه «الرمزية العرقية والقومية» على أن القومية مُنتج حداثي أنتجه فلاسفة الحداثة والتنوير وأيديولوجييها، ولم يستمر طويلًا بفعل نقد مفكري وفلاسفة ما بعد الحداثة للقومية والأمة، فهو تصور ينتبناه دُعاتها عبر تأكيدهم على أن هذه المفاهيم أنتجها العصر الحديث بيقينياته ونزعاته الشمولية في المعرفة والأيديولوجيا.
حاول المفكرون العرب البحث عما يُعزز وجودهم كأمة، فذهب القوميون لتبني فكرة القومية، وعلى الرغم مما في بعض مقولات أصحاب النزعة القومية العربية من تلاقي بينهم وبين من يقول بالعنصرية، من حيث التأكيد على التاريخ المشترك واللغة المشتركة والأرض المشتركة والمصير المُشترك وصلة الدم، وهي مقولات من الصعب القبول بها على وجه العموم، لأنها تشي لنا بأن هناك جماعة مختارة ومتميزة عن باقي بني البشر، إلا أن ما ينفي عن القائلين بالقومية العربية القول بتلاقيها مع العنصرية من حيث هي رؤية نظرية لا ممارسة عملية، هي أنها لم تذهب لتبني هذا الرأي ترفًا، إنما هو بسبب التحدي الاستعماري، الذي مزق أوصال الأرض العربية بعد اتفاقية سايكس ـ بيكو، وما بعدها (وعد بلفور).