{أوكاس} و{كواد} ومرتكز الهند المفصلي

آراء 2021/11/08
...

  سي راجا موهان
  ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
                                      
عقب إلتقاء الرئيس الأميركي {جو بايدن} برئيس الوزراء الهندي {نارندرا مودي} في 24 أيلول توجه لاستضافة أول مؤتمر قمة بحضور شخصي للحوار الأمني الرباعي، المعروف اختصاراً بـ {كواد}، إذ التقى بزعماء استراليا والهند واليابان. انعقاد سلسلة اللقاءات الجديدة هذه، قبل انقضاء أسبوع على الإعلان الصاعق عن تشكيل حلف {أوكاس} العسكري التكنولوجي الذي يضم استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، يؤكد حدّة الاستنفار لدى واشنطن وشركائها لإعادة هيكلة ميزان القوى في منطقة المحيطين {الهادئ والهندي}. 
تحقيق التقدم منتظر في كلا اللقاءين، لأن من المتوقع ان تعمق محادثات بايدن – مودي آفاق التعاون مع ازدياد التقارب بين نيودلهي وواشنطن في مجالات الأمن والصحة والطاقة والتعليم. كذلك يبدي بايدن ومودي اهتماماً بتحقيق الانسجام بين مواقفهما ازاء الشؤون العالمية كالتغير المناخي واصلاح نظام التجارة وتنظيم التكنولوجيا الرقمية.
 
ضرورة اللحاق بقدرات الصين
 من المتوقع ايضاً ان تعزز قمة {كواد} بعض المبادرات الأخيرة مثل دبلوماسية اللقاح وسلاسل التجهيز المرنة والتعاون التكنولوجي، وهذا سيشمل نطاقاً واسعاً من القضايا التي تجمعها الى بعضها الحاجة الملحة للحاق باقتصاد وتكنولوجيا الصين وقوتها العسكرية المتعاظمة. استراليا والهند واليابان يعلمون انهم يتشاطرون منطقتهم مع الصين ولا يرغبون في التصادم معها او السعي وراء حلم احتوائها. بايدن من ناحيته حاول طمأنة العالم عبر خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة الى ان واشنطن لا تسعى الى حرب باردة مع بكين.
الرسالة واضحة إذن بغض النظر عن القرارات التي اتخذت او ستتخذ وهي أن {كواد} لن تتبدد بمجرد فرض التزامات معينة على الصين، كما بعثت {أوكاس} أيضاً برسائل واضحة الى سائر دول آسيا وخارجها مفادها ان هدف تحقيق التوازن مع الصين قد دخل الآن مرحلة جدية.
مشاعر التوجس والقلق في العواصم الآسيوية ازاء {أوكاس} و{كواد} مردها ثلاثة أسباب رئيسة: الأول هو ان تلك الدول سوف تضطر الى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، وثانيها ان {كواد} سوف تقوض هندسة الوضع الراهن في المنطقة حالياً القائم على خلفية {رابطة أمم جنوب شرق آسيا}. السبب الثالث هو الخشية من ان تطلق {أوكاس} زناد سباق تسلح جديد في المنطقة.
 
اهتمام واشنطن بمواجهة التحدي 
خلال العام الأول من رئاسة بايدن تسارعت عملية التحول في منطقة المحيطين {الهادئ والهندي}، بل إن بايدن استهل رئاسته بتركيز واضح على شؤون آسيا وكان أول زائري البيت الابيض من الاجانب بعد توليه المنصب هما رئيس الوزراء الياباني {يوشيهايد سوغا} والرئيس الكوري الجنوبي {مون جاي إن}. كذلك كان بايدن قد عقد مؤتمر قمة افتراضيا لـ {كواد} في شهر آذار، أي بعد أسابيع لا غير من توليه المنصب، لذا فإن عقده مؤتمراً ثانياً في ظرف ستة أشهر من الأول يؤكد شدة اهتمامه بالتعامل مع التحدي الصيني.
إعلان بايدن عن تحالف {أوكاس} في منتصف ايلول الماضي شهد تنحية فرنسا جانباً عن عقد سابق لتجهيز غواصات تقليدية تعمل بالديزل، وقد اثار هذا التصرف غضبها لكنها استعادت هدوءها حين اعتذر بايدن وأقر بالأدوار الحساسة التي تقوم بها فرنسا وأوروبا في تعزيز استقرار منطقة {الهادئ والهندي} ووعد بالتشاور الوثيق معها في المستقبل. 
هذا التأزم بشأن {أوكاس} سلط الاضواء على واقع جديد مهم وهو ان تحقيق التوازن مع الصين هو الهدف الشامل الذي تسعى اليه الولايات المتحدة وليس أمام الأوروبيين من خيار سوى التكيف معه. كذلك أبرز التصدع بين جانبي الاطلسي حقيقة لم يكن بالوسع تخيلها، وهي ان الهند ربما ستبرز مستقبلاً كجسر موصل بين انحاء الغرب 
المختلفة. 
ففي حين كانت تعليقات العالم الناطق بالانكليزية تؤنب باريس على ردة فعلها التي وصفت بالمبالغة كان {مودي} على الهاتف يتحدث مع الرئيس الفرنسي ليؤكد له قوة التزام الهند بالشراكة في منطقة المحيطين {الهندي والهادئ}. تضامن الهند مع فرنسا في ساعة الشدة كان منبعه إيمان نيودلهي الراسخ بأن صون وحدة العالم الغربي اساس في تشكيل المستقبل الستراتيجي لعموم دول منطقة {الهادئ والهندي}.
 
{اوكاس} و {كواد} ليستا متعارضتين
رغم شعور البعض بالقلق من أن تطغى {أوكاس} على أهمية {كواد} فإن رؤية نيودلهي كانت أدق إذ أدركت أن الاثنتين متممتان لبعضهما، والهند لا ترى سبباً للتذمر إذا ما صعدت استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة القدرات العسكرية لحلفهم بضع درجات بإدخال غواصات تعمل بالطاقة النووية لإرباك حسابات الصين 
البحرية. 
أثارت {كواد} واحتياج واشنطن الى مرتكز لها في منطقة المحيطين {الهادئ والهندي} الكثير من مشاعر القلق، في حين أن الفكرتين في جوهرهما متعلقتان بالهند. فتحقيق التوازن مع الصين هو التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة، وقد شخصت واشنطن ان الهند جزء من الحل لا غنى عنه؛ لذا كان الهدف الموحد من إعادة ابتداع ستراتيجية جغرافية قديمة، بإضافة لفظ }الهندي} الى {الهادئ}، وخلق تحالف جديد باسم {كواد} هو اجتذاب الهند الى مشروع ضخم ربما سيشغل الولايات المتحدة لسنوات أو عقود مقبلة.
تطلع واشنطن الى نيودلهي، وهي طرف لا ينتمي الى حلفها التقليدي، يؤكد حقيقة التحدي الذي تعنيه بكين لها، كما يبرز الحاجة الى ثقل ستراتيجي لا يمكن ان توفره إلا دولة كبيرة مثل الهند. كذلك فإن تصاعد الضغوط الصينية على نيودلهي جعل الأخيرة تتخلى عن ترددها القديم في العمل مع الولايات المتحدة وحلفائها. 
الهند صوت له وزنه في جنوب الكرة الارضية ومشاركتها سوف تضفي مصداقية سياسية على خطط الولايات المتحدة لتحقيق التوازن في المنطقة.