سامر المشعل
الموسيقى هي لغة واحدة في كل بقاع العالم، وهي عبارة عن سلم موسيقي يتكون من سبعة حروف، هي ( دو - ري- مي- فا - صول - لا - سي )، ومن هذه الحروف تستخرج جميع الانغام والمقامات سواء كانت شرقية أم غربية.
الفرق الوحيد بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، ان الغرب يأخد الدرجة ونصفها، بينما في الموسيقى الشرقية تؤخذ نصف الدرجة وربعها.
عموما الموسيقى في كل العالم لا تخرج عن هذه الحروف السبعة، لكن كل موسيقى تعبر عن البيئة التي انطلقت منها وهي انعكاس لطبيعتها.
فالانسان بطبيعة الحال محكوم بالواقع الذي يعيشه، فهو يؤثر ويتأثر بالبيئة التي يوجد فيها، بل تتدخل البيئة في البناء النفسي والسايكولوجي وتنفذ الى التركيبة الفسيولوجية وفي مزاج
الناس.
لذلك تجد ابناء المناطق الجبلية المرتفعة، عادة ما تكون أصواتهم عالية وهذا ينسحب على دوزان الآلات الموسيقية، وكذلك رقصاتهم تكون متوافقة مع حركتهم التي تشبه الى حد ما حركة صعود الجبل مثل الدبكة التي نراها في شمال العراق وشمال لبنان، أما في المناطق الصحراوية، فانهم يمدون أصواتهم بالغناء بحيث تخرج بعض الانغام اشبه بالعواء، فمن خلال الغناء، أنت من الممكن أن تتعرف على طبيعة المنطقة التي ينتمي اليها المغني سواء كانت بادية أو ريفا أو منطقة الخليج العربي أو منطقة المغرب العربي أو منطقة افريقيا.. الخ.
اصدق الغناء هو الذي يعبر عن هويته المكانية، ولعل أحد اسباب نجاح الغناء القديم، أنه كان يعبر عن بيئته بكل عفوية وابداع من دون رتوش.
فعندما يغني داخل حسن تشعر أن الجنوب واهواره وبيئته الريفية تتدفق من خلجات صوته وتنساب مفرداته بكل عفوية نابعة من عمق الواقع الانساني والاجتماعي.
وعندما يغني جبار عكار على الربابة يشعرك بأن صوته قادم من عمق البادية وليالي السمر في بيت الشعر المصحوبة بفناجين القهوة العربية، وعندما يغني سعدي الحديثي الجوبي تشعر بحركة نواعير مزارع هيت وعانة وهي تسقي خيرات الارض من نهر الفرات.
وعندما يغني ناظم الغزالي تشعر أن صوته يختصر دلال بغداد وترف العلاقات الانسانية.
كذلك عندما تعزف الخشابة، فان موسيقاها تحيلك الى أجواء البصرة وشط العرب ورحلة الصيادين في عمق البحر واغاني الاشتياق واللهفة بعودتهم الى احضان الاحبة وعشق البصريين الى الحياة واجواء الانس والطرب.
العراق حباه الله بتنوع جغرافي جميل، فيه الاهوار والبادية والجبال والريف والمدينة، فضلا عن الغناء الموصلي والتركماني والكلداني والآشوري، لذلك تنوع الغناء العراقي بالوانه واطواره ومقاماته على نحو يختلف عن بقية شعوب العالم.
الشيء الغريب والذي يدعو الى أن نتوقف عنده، ان كل هذا التنوع والثراء في الغناء العراقي ببيئاته المختلفة الذي ندخره، ومعظمه لم يصل بعد الى اذن المستمع العربي، الا أننا نجد أن المطربين الشباب يتركونه في خزائنه ويذهبون للغناء الهجين مثل الغناء التركي والراب الغربي!.
لذلك المستمع للغناء العراقي الاصيل يشعر بغربة وسذاجة ما يسمعه من غناء حديث، ولا يدغدغ ذائقته التي تربى عليها.