الطائفية التي تعرقل الحياة والمستقبل في العراق

آراء 2021/11/09
...

 زهير كاظم عبود 
ما يجمع اهل العراق اكثر مما يفرقهم، ولهذا اكد الدستور العراقي على حقيقة ان العراق بلد متعدد (القوميات والأديان والمذاهب)، وجميع العراقيين متساوون امام القانون من دون تمييز، ولعلنا لا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان الاعتزاز بالقومية او الدين او المذهب لأي انسان مصدر فخر وحقيقة قائمة بذاتها، غير ان الإشكال يبرز حين تطغى وتستفحل ظاهرة الولاء للقومية او للدين او للمذهب على حساب الاخر.
والإشكال ينمو حين يتنامى مرض التعصب الأعمى للطائفة او للدين او للقومية على حساب المواطنة والشراكة ٫ وثمة حقيقة لا يمكن انكارها وهي ان المجتمع العراقي منسجم قوميا ودينيا وطائفيا ومنبع هذا الانسجام يأتي من تجربة التآخي والانسجام التاريخي لعقود طويلة، اذ تشكل تلك الحقيقة تماسكا متميزا يتباهى به اهل العراق.
ثمة من يعتاش على نمو ظاهرة التطرف الديني او القومي او المذهبي ٫ وثمة من يجد نفسه من خلال تفشي هذه الظواهر المرضية التي تشتت الجمع وتفرق التوحد الاجتماعي ويراد لها ان تكبر لتصبح شروخا اجتماعية تنعكس سلبا علي واقع الحياة والانسجام المطلوب في حياة العراقيين. 
في فترة عصيبة من فترات قلقة في التاريخ العراقي تمكنت بعض القوى المريضة من ان تنجح في بث هذه الظواهر، وبدأت تنشر تلك الفيروسات التي تسمم حياة الناس، وبدأت حينها تكبر كرة النار التي تحرق الانسجام والتآلف والشراكة داخل المجتمع العراقي، ودفع أهلنا في العراق ثمنا باهضا وقرابين غالية وعزيزة نتيجة سيطرة الأفكار المتطرفة والسبل التي تنحو نحو فرقة العراقيين، ولعل الظاهرة الطائفية من بين اخطر تلك الظواهر المتطرفة ، وتمكنت القوى الخيرة وتنامي الوعي المجتمعي وتحسس الخسارات التي لحقت بكل مناحي الحياة للعراقي، حيث توقفت كل تلك الظواهر عدا الظاهرة الطائفية المتطرفة التي بقيت جمرا تحت الرماد لم يتم اخمادها ولا العمل على مسحها من حياتنا، يحاول بعض ممن لا يريد الخير للعراق والعراقيين ان يمدها بالنار وينفخ في رمادها لعلها تستعيد نيرانها لتحرق أرواح العراقيين.
محاولات عديدة يلمسها الحريص على مستقبل العراق تخبو وتموت في مهدها، غير ان فاعليها لم يواجهوا المواجهة التي تقضي على أفكارهم المريضة ولم تتم معالجة نزعاتهم الخطيرة فينسلوا جانبا بانتظار اية فرصة لإشعال النار الطائفية بين فترة وأخرى طمعا في تحقيق التشتت الاجتماعي وتوسيع الخلافات بين المذاهب والفرق تحقيقا لإضعاف التماسك والموقف الاجتماعي النازع لبناء عراق معافى ويحترم الانسان مهما كان دينه او قوميته او مذهبه. 
نعيش هذه الأيام وسط عاصفة من الاخبار والشائعات والحقائق التي تقلق الاستقرار والامن ليس فقط في مدن محافظة ديالى مدينة البرتقال والجمال، انما تقلق جميع أبناء العراق التواقين للانتهاء من وضع أسس الدولة المدنية التي تحترم حقوق الانسان وتضمن حرياته المنصوص عليها في الدستور والقوانين. 
نحن كلنا بحاجة الى صفاء الموقف واستقرار أمني يوفر لنا الحياة الآمنة والطبيعية، الخالية من أصوات الرصاص والدماء، ليتوقف معها الموت الرخيص والمجاني الذي يحصد الأرواح بمرارة وحزن يسري في روح العراقي، نشعر جميعا اننا بحاجة الى موقف وطني يجمع كل اطراف العمل السياسي في العراق ليس لنبذ الطائفية بل للقضاء عليها شأنها شأن كل الأمراض التي تمت مكافحتها وأصبحت في الذاكرة ولم تعد فاعلة ولامكان لها بين الناس.
بحاجة الى وقفة جادة من جميع رجال الفكر والسياسة ومن العاملين في الوسط الديني ليكون لهم ليس فقط الموقف المستنكر والرافض لمثل هذه الظاهرة، بل نطمح ونحلم بالقضاء عليها وقلعها من جذور العراق، نشعر جميعا اننا بحاجة لان نستعيد التلاحم والمحبة والتآخي وان نرفض ما تعكسه الطائفية من احقاد وكراهية لا يمكن ان تنسجم مع تطلعات العراقيين لبناء مستقبل لأجيالنا القادمة مع أسس دولة تحترم دستورها ومواطنيها، وندرك جميعا أن من يحلم بوطن خال من الموت المجاني والاغتيال والخطف والتهجير والتهديد لا يترك مجالا للطائفية والتي حظرها الدستور في المادة ( 7 – أولا ) منه، وان نسعى جميعا للاستفادة من ظروفنا ومامر علينا من مآسي ووقائع لم تخدم الانتقال العراقي نحو بناء الدولة، نسعى جميعا كل من موقعه ودوره لان نتصدى لهذه الظاهرة قبل ان تستفحل وتأكل من أرواح أهلنا ، ان نضع امام اعيننا ما صنعته الطائفية من نتائج لم نزل حتى اليوم نعاني من جراحها التي غارت داخل الجسد العراقي وان نتفق على ان لا تتكرر مثل هذه الوقائع بسمو انفسنا والترفع على هذه الظاهرة. 
لتكن كرامة الانسان هي الأساس في تعاملنا مع بعض، الانسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من المخلوقات ممن خلق تفضيلا احق بالتعامل بإنسانيته وكرامته وحريته.