رضا المحمداوي
قصةُ حُبّ وزواج امرأة شاعرة مرهفة الحس من شاعر لامع قد تترك لدينا انطباعاً أولياً مفادهُ أننا سنكون إزاء فيلم شاعري ملؤهُ الحب الجارف والعاطفة الجياشة والإحساس المتدفق، لكنّ فيلم (سيلفيا) للممثلة جوينيث بالترو والممثل دانيال كريغ في جانب كبير منه كان فيلماً متوتراً مشحوناً بالألم والحيرة والانقباض، خاصةً انه من أفلام السيرة الذاتية ويتناول المرحلة الأخيرة من حياة تلك الشاعرة الأميركية (سيليفا بلاث) والممتدة من العام 1956إلى وفاتها في العام 1963بكل سوداوية تلك المرحلة واضطرابها وتناقضاتها.
صحيح أنَّ الفيلم للمخرجة كرستين جيمس، انطوى على العديد من المشاهد العاطفية الحميمة بطابعها الإيروتيكي الصريح وكثرتْ فيه المقاطع الشعرية لـ (شكسبير) و ( ييتس) وغيرهما، لكن هذه المشاهد سرعان ما انتهتْ بسرعة وحلّتْ محلها المشادات الكلامية والشجار والصفعات وحتى العراك بين الزوجين الشاعرين المتناقضين، فهما ليسا شخصين تكامليين يكمل أحدهما الآخر، بل مجرد نصفين منفصلين وكل نصف يتجوّل باحثاً عن النصف الآخر.
وقد تركتْ طبيعة هذه الحياة آثارها واضحةً على الشاعرة (سيلفيا بلاث) أكثر من الشاعر(تيد هيوز) العابث، اذ تحوَّلتْ الشاعرة والزوجة والأم إلى كائن إنساني ضعيف، وهشّ، وتحوّلتْ إلى امرأة متعبة، وخاوية من الداخل، بل منهارة تماماً ومنكسرة، وغير متماسكة، ولا تقوى على الاعتماد على نفسها وفي ذروة ضياعها تعترف كأنها لمْ تفكّرْ يوماً، ولم تقرأْ، ولمْ تكتبْ، إنها تبدو هنا وكأنها عالقة في الفراغ، وفي النهاية لم تجدْ ملاذاً غير الانخراط في نوبات البكاء للتعبير عن حزنها ويأسها، اذ بدأتْ الأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وبالمقابل نجد (هيوز) بملامح وجهه الحادة والقاسية وبنظراته الباردة لا يبالي بكل هذه المعاناة، بل يعمل وبإصرار الشاعر المتغطرس على إلحاق الأذى النفسي والألم العاطفي المُمضّ الناجم عن علاقاتهِ النسائية العابرة وخيانته لها، في حين بقيتْ هي متمسكةً به، وتترقبُ عودتَه إليها كي تلوذ باحضانه، لكن كل ذلك كان بعيد المنال، بل كان وهماً، فقد حلَّ الشتاء البارد وتساقطتْ الثلوج وجمَّدَ الجليد العواطف بين الزوجين المتباعدين وانتهتْ قصة الحب بينهما إلى علاقة باهتة لا دفءَ فيها.
وبإداء جوينيث بالترو الرائع والمذهل لم تتركْ لنا خياراً آخر بأنْ نتصوَّر الشاعرة (سيلفيا) بغير هذه الشخصية والروحية التي تمزج العاطفة المشبوبة والحزن والضياع وبكل تقلباتها وانفعالاتها المضطربة، وبتناغم وانسجام طاغٍ مع (دانيال كريغ) بشخصية الشاعر (تيد هيوز) بكل غموضه وتلاعبه بعواطفه المتذبذبة فكوَّنا ثنائياً تمثيلياً ذا حضور انفعالي مدهش.
وقد استحضرتْ المخرجة كرستين جيفس هذه العوالم النفسية والمعاناة الإنسانية بطابعها العاطفي وترجمتها سينمائياً من خلال أماكن التصوير التي عَكَسَتْ روح الضيق والاختناق وخاصة لدى الشخصية الرئيسة (سيلفيا) فقد غلبتْ الأجواء القاتمة والإضاءة الخافتة والأماكن الكابية والتصوير داخل البيوت الصغيرة الضيقة التي توحي بالكآبة وكتم الأنفاس، بل وكانت في كثير من المشاهد توحي بالانفصال والتباعد والعيش بزوايا منعزلة في المكان الضيّق الواحد.