الديمقراطيَّةُ هَنْدَسةُ التغيير

آراء 2021/11/10
...

 عصام كاظم جري 
 
بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 طرأت تحوَّلات جديدة في الواقع العراقي، وقد اسهمت هذه التحوَّلات اسهاما جليا في تغيير الواقع ومنها: الدستور، والانتخابات، والتداول السلمي للسلطة، والاستقالات وان كانت محدودة نوعا ما، فضلا عن البرلمان، ونقطة نظام، ومنظمات المجتمع المدني، والورش التطويريَّة، والاعمال التطوعيَّة، والجمعيات الخيريَّة، علاوة على استحداث منظمات حقوق الإنسان، والعناية بشؤون المرأة، وحقوق الاسرة والطفل، وحرية التعبير، ووزارات جديدة، ومدونات السوشل ميديا، والإعلام الحر المستقل، وفتح افاق لدور النشر، وطباعة الكتب، وتعدد الصحف، والاحتجاجات السلميَّة، وغيرها، كل هذه التوصيفات تعدُّ فضاء نوعيا وتوعويا تُسهم بحلحلة الأزمات التي يمرُّ بها المواطنُ . وتُسهم ايضا اسهاما كبيرا ولافتا في نمو مفهوم الديمقراطيَّة
لدى الشعب . 
لقد ادرك المواطن العراقي منذ البدء حاجته الماسة والملحة للتغيير وللتعايش مع هذه التحوَّلات الجديدة كونها امرا واقعا لا محال، ومن خلالها يستطيع ان يحققَ ما تصبو إليه تطلعاته وطموحاته المستقبليَّة نحو حياة كريمة خالية من الاستبداد والتسلط والقمع والشمولية والحاكمية المقيتة، نعم لا أحد ينكر أهمية تلك التحوَّلات، لذا صار التعامل معها واستيعابها من الضرورات، وهنا أُسجلُ نقطة نظام ضد كلِّ من يتهم العراقيين بعدم قدرتهم على استيعاب تلك التحوَّلات، لا سيما مصطلح الديمقراطيَّة. نعم أدرك العراقيون معناها وفهموا فحواها ومحتواها، وعرفوا خطوطها وأبعادها وسطوحها وزواياها وخواصها، وفهموا معنى حكم الشعب لنفسه فهما دقيقا، فهموا صياغتها ودلالتها، وبات استيعاب درْس الديمقراطيَّة امرا طبيعيا كونها شكلا من أشكال الحكم يشارك فيه جميع المواطنين المؤهلين وبالتساوي من دون تمييز عنصري أو طائفي أو جهوي، إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين في اقتراع حر ونزيه ومعلن أمام وسائل الاعلام المحليَّة والعربية والدولية، وأمام المنظمات العربية والعالمية غيرها . 
وقد مارس العراقيون هذا الفعل بشفافية لافتة لأكثر من مرة وأخرها : يوم 10 / 10 / 2021 من خلال التَّوجه إلى صناديق الاقتراع وانتخاب ممثلين عنهم بمحض
إرادتهم وبدون ضغوط من أحد . إذاً الديمقراطيَّة شكل من أشكال الحكم، وهي اشتِراك الشعب في حكم نفسه وبإرادته من دون تدخل اطراف معنية، وعادةً ما يكون ذلك عبر حكم الأغلبية أو عن طريق نظام التصوَّيت ومن ثم التمثيَّل النيابي .
وفي الوقت الذي يكون للشعب حكومة ديمقراطيَّة فإن هذه الحكومة جاءت بالضرورة انتخابيَّا، أما الإساءة الى مفهوم الديمقراطيَّة ولعبة خلط الأوراق بينها وبين الفوضى، وفهم الحرية وحقوق الانسان فهما خاطئا والاستئثار بالسلطة، هذه واحدة من المشاكل التي ما زالت راسخة في عقول البعض، وما زلنا نعاني منها، هناك فئات من الشعب بدائيَّة الطبع والتكوَّين في تعايشها مع التحوَّلات الجديدة، هذا الامر طبيعي جدا ولا يختلف عليه اثنان، واخذت بعض تلك الفئات تسيء لهذه المفاهيم بقصدية وغايات احيانا وبتغييب الوعي
احيانا اخرى.
ولا ننسى القيود الماضويَّة وترسباتها الثقيلة من جهة، والاستئثار بالجهل والخوف من جهة اخرى. فما زالت تلك القيود عالقة في اذهان البعض، لذا صار استيعاب التحوَّلات الجوهريَّة لديهم امرا ليس بالسهل، لكنه ليس
مستحيلا بالمطلق .
ولا يخفى على احد كيف استطاعت احتجاجات تشرين / 2019 من تغيير قانون نظام الانتخابات القديم بقانون جديد، والعمل على إقامة انتخابات مبكرة، استطاعت تلك الاحتجاجات احراج الحكومة، ووضعها على المحك أمام الرأي العام بعد ان ثبت فشلها في إدارة جزء من شؤون البلد، نستشف من ذلك بان الاحتجاجات وسيلة تغيير واصلاح لانبثاق رؤى جديدة ومغايرة لما
هو سائد.
 وبلا أدنى شك للديمقراطيَّة مساحات أوسع من الفكر الضيَّق المحدود. لذا يعد قمع صوت المتظاهرين السلميين سرا أو علنا هو تغييب الفعل الديمقراطي الذي نسعى دوما لاشراقته. واخيرا ان تعزيز الثقة في النفس الإنسانيَّة أمر محمود فعله، يضيفُ هدوءا نسبيا في التفكير ويؤدي الى الصواب بالضرورة. وان التعامل بشفافية وقناعة تامة مع التحوَّلات استجابة جديرة بالاهتمام. ان استيعاب الدَّرْس الجديد ليس بالامر السهل عند البعض لكنَّه ليس مستحيلا. 
نحن اليوم نقفُ على قرابة العقدين من الزمن، هذه فترة كافية جدا لاستيعاب الدَّرْس وفهم معنى ما هو ديمقراطيَّ متجدد ومتطوّر نتيجة للظروف والوقت والمكان وما هو فوضوي
 متخلف ورجعي.