محنة الحداثة والاسئلة

آراء 2021/11/13
...

 حسن الكعبي
 
في مقاله المنشور في صفحة اراء بتاريخ (4/ تشرين الثاني) والمعنون (محنة الحداثة في طروحات بشرى اقليش واغراءات الاسئلة)، أوضح الدكتور ناجي الفتلاوي أن المحفز الاساسي لاسئلته المنتظمة في مقاله والمتعلقة باشكالية الفكر العربي في مواجهة الحداثة وتحدياتها ومتعلقات الفكر بالتحيزات الماضوية المرتبطة بالترات وعصاب الهوية، جاء بمحرضات اطروحات المفكرة المغربية بشرى اقليش في محاضرة تناولت هذه الاشكالية ضمن مفاتيح ابستمولوجية، اوضحها الدكتور في مقاله وكانت هي بواعث الاسئلة المعرفية عنده – كما اشير – والحقيقة ان مقدماته وطبيعة اسئلته المعرفية المطروحة تبين مدى اهمية المحاضرة في تناول هذه الاشكالية ومتعلقاتها في انتاج محنة التعاطي مع الحداثة في مجالات التداول العربي .
ان الاسئلة هي مفاتيح اساسية في نظريات المعرفة لمواجهة الاشكاليات ومعالجة التعضلات والاعطاب الفكرية ضمنها، وهي المنطلق الاساس في مواجهة هذه الاشكاليات، لكن وباعتبار ان الاسئلة ذات طابع تفكيكي فانها ستكون شريكة في انتاج المحنة، اذا لم تعمد الى اعادة تركيب هذه الاشكاليات وايجاد حلولها، والفكر العربي مع بواكير الحداثة اشتبك مع محنة الحداثة والتراث وطرح حولها اسئلته المصيرية، لكن وباعتماده – اي الفكر العربي – اسئلة تنبعث من ذات المنظور التفكيكي فانها ساهمت بانتاج الازمة الفكرية، التي ما زال يواجهها الفكر العربي ويعيد توجيهها في مجالاته، لكن ضمن السياقات والمنظورات ذاتها التي اسفرت عن تيارات فكرية منها من يدعو للقطيعة مع التراث واعتماد صيغ الحداثة والتجديد ومنها من يدعو الى التخلي مع بعض منتجات التراث وتبني بعضها وادماجها مع سيرورات الحداثة، ومنها من يدعو الى رفض منتجات الحداثة والعودة التراث بكل تحيزاته الاصولية، بحيث اصبح البحث في اشكالية التراث الى (مذبحة في التراث) على حد تعبير المفكر العربي - جورج طرابيشي - من خلال المقاربات الفكرية التي انطلقت من متبنايات ايديولوجية مسبقة اسقطت على التراث او من متبنيات بمدعيات ابستمولوجية، لكنها انتقلت من حقلها المعرفي الى الحقل الايديولوجي وتحيزاته الباعثة على ذلك النوع من التشطير والبتر والاقصاء الذي طال التراث على المستوى الانطولوجي والجغرافي ايضا.
ان طابع الاسئلة التفكيكية اذا لم تعد تركيب ما تم تفكيكه هو الانتقال من حقل التفكيك الى حقل التقويض والاقصاء اوالى اعادة ما تم تركيبه ضمن الاشكالية ذاتها اي في مسعى الخروج من الازمة، فيصبح بذلك سؤال الخروج من الازمة بديلا عن السؤال عن اسباب الازمة – كما يرى المفكر الكبير ادونيس-،وهو ما نقصده بان الاسئلة في سياقاتها التفكيكية تصبح شريكا في المحنة، وباعتقادي ان اسئلة الدكتور ناجي الفتلاوي على اهميتها المعرفية النابعة من الادراكات الواعية لطبيعة الاشكاليات ومتضمناتها في جرد مشكلة التعاطي مع الحداثة والتراث، الا انها تظل اسئلة تنتمي الى الحقل التفكيكي ضمن السياقات التي جرى تبيانها.