حول الإسلام والعروبة

آراء 2021/11/13
...

 علي المرهج
 قد يكون الربط بين العروبة والإسلام له ما يُبرره في التاريخ في الحضارة العربية والإسلامية، لا سيما مع صعود دولة الخلافة الأموية التي ميزت بين الموالي والعربي، وعدتهم رعايا من الدرجة الثانية، فصار التركيز على آي الذكر الحكيم «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، وقد يكون هذا الأمر ضعفا مع بداية العصر العباسي حينما قربوا البرامكة من السلطة وصارت لهم اليد الطولى في الحكم وتوجيهه، ولكن بعد أن أطاح بهم هارون الرشيد، بدأت تعود هذه الفكرة التي تميز العرب عن غيرهم من المسلمين.
حكمت الدولة العثمانية العرب والمُسلمين قروناً طويلة الأمد باسم الحفاظ على «بيضة الإسلام»، ولفرط ما عاناه العرب من سياسة التهميش في الدولة العثمانية، بدأ الأشراف بقيادة الشريف الحسين بن علي بالحُلم بتأسيس دولة عربية، ولكن الحُلم لم يكتمل لخذلان البريطانيين له، ولكن حُلم القوميين والعروبيين ظلَ مُستمراً بعد ثورة الشريف، وبأشكال مُتعددة، منها، كما ذكرنا الدمج بين (العروبة والإسلام).
علينا أن نضع في حُسباننا أن العروبة لا تعني الإسلام، وإن حمل العرب لواء الدعوة الإسلامية في بداية ظهورها، إلَا أن هذا لا يعني أن المفهومين مُتلازمان تلازماً شرطياً، لأن هناك في العرب من هم ليسوا من المسلمين، من اليهود والمسيحيين، من الذين يحلمون بتأسيس دولة عربية لا دينية أو دولة عربية تفصل بين الدين والسياسة، ورغم كل ما وجه من نقد للعلمانية وما يُمكن أن يوجه لها، إلَا أنها كرؤية لفصل الدين عن الدولة تبقى فكرة ناجعة لحُكم الشعوب الأثنية، والمُتعددة القوميات والأعراق والديانات والمذاهب، لما تحمله في طياتها من قبول للمختلف والمُغاير، لأنها نتاج إنساني خاضع للنقد ودُعاتها من حاملي معوله، فجُل المُفكرين العلمانيين ينتمون لمنطقة النزوع نحو الأنسنة بطابعيها: «العقلاني البرهاني، والعاطفي «الروحاني»، وفتح المجال أمام حُرية التعبير وحُرية المُعتقد وحُرية الإعلام وحُرية النقد لكل الممارسات القمعية، التي يدعي أصحابها وصلاً بالعلمانية من المُدَعين الذين مارسوا كل سبل القمع بإسمها وتحت لوائها، ولكنهم لم يُدركوا مضانها ومراميها، أو أن أنهم مُدركون لكنهم كحال دُعاة «الحُكم الإلهي» يعرفون مرامي الإله المُتسامح، ولكنهم يستحضرون إلهاً آخر قامعا للرغبات، إله السلاطين والمُشككين بكل المُقدَرات الذي صيره «وعاظ السلاطين» إله مُتعاطف مع السلطان بوصفه خليفة له، مُعاقباً للعباد الذين لم يُسياروا سلطانهم  والخضوع لجبروته، لأنه في كل ما يرتكبه من حماقات وما يُمارسه من موبقات إنما «حسابه على ربه، كونه مصونا غير مسؤول»، بعبارة الطهطاوي، فلا حق لأحد من رعيته مُحاسبته، والله هو الوحيد الذي له حق محاسبته.
لقد أخذ مُنظرو الفكر القومي على عاتقهم مهمة تزيين فكرة الدمج أو التوفيق بين «العروبة والإسلام»، واستعادة قوله تعالى «كُنتم خير أمة أُخرجت للناس»، ليلعبوا على أوتار العاطفة العربية الجياشة والمُحبة للإسلام، فلم نعرف لهم رؤية واضحة في موقفهم من العلمانية، هل هم آمنوا بها بوصفها مُكملة لحُكم الإسلام، على قاعدة «لا حُكم إلَا لله»؟ أم أنهم آمنوا بأن الإسلام يفصل بين الدين والدولة، وهي ليست مشكلة عند المُسلمين أو العرب بقدر ما هي مُشكلة عند العروبيين الذي لم يتمكنوا من مُداعبة مشاعر الجمهور عبر القفز على واقع الأمة الذي يشي بالخلاف بين الطوائف والديانات التي لم يتفق مريدوها على أن الإسلام مُرادف للعروبة.
ستبقى مقولة «العلاقة بين العروبة والإسلام» مقولة جدلية كلما حاول البعض توظيفها لصالح الأيديولوجيا واقصاء الآخر المختلف وإلغاء فكرة التعددية التي تؤكد أن هناك عرباً ليسوا مسلمين قد لا يقبلون هذه الفكرة.