مياه أرض السواد

آراء 2021/11/14
...

 ثامر الهيمص 
شح المياه في ارض الرافدين، مفارقة تاريخية. فسواد ارضهما بدأ بالتصحر المتواصل المتفاقم سنويا، حسبما تقول الجهات ذات العلاقة, فتجلت النتائج بأربعة آلاف عشوائية في ضواحي المدن والاقضية والنواحي، ليصبح سكان الريف 30 % من مجموع السكان، وهذا ناجم من انخفاض التدفقات من دول المنبع التي كانتحيث مشاريعهم وحاجتهم خفضت الحصة العراقية لأقل من النصف من المنبع التركي الذي يشكل 88 % من مياه المصبات وهكذا المنبع الايراني الذي توقف،
نحن لا نلومهم بمعنى ان يكونوا شماعة فشلنا المفروض علينا من الحروب والحصارات والأزمات الريعية وثانوية اهمية القطاع الزراعي اقتصاديا امام القطاع النفطي. كما ان المواثيق الدولية اقتصرت مؤخرا في ميثاق الامم المتحدة الصادر 17 /8/ 2014، وهو غير ملزم, كما تشهد عليه ازمة سد النهضة الاثيوبي مع مصر والسودان. حيث كان السد لغرض انتاج الطاقة الكهربائية، اي كما هو حال سد اليسو التركي، اضافة للامن الغذائي لكلا 
البلدين. 
فالمفارقة التاريخية لارض السواد انها اشتهرت تاريخيا قياسا لجوارها كأرض زراعية اجمالا، اذ كانت هويتها الاخضرار المسمى جوازا سوادا لشدة خضرته، تقول دول المنبع انكم يا عراقيين تبذرون بالماء ولا تخزنونه، ليذهب للخليج او الاهوار، كما ان زراعتكم التقليدية اضافة لفشل المبازل وضعف عمليات كري الانهر الفرعية، ليذهب ماء الرافدين مباشرة للبحر، ناهيك عن استصلاح الارض والاساليب غير العصرية التي تبذر المياه اي اهمال زراعة الرش والتنقيط كانت ايضا سببا، وتقول دوائرنا إن الملوحة سبب لقذفه في الخليج وهذا شأن مياه المصبات انتاج اوراق تفاوضيه قوية وببدائل اي خطة باء ثم جيم, وهذا لا يأتي عبر الشحن والخطوط الحمر كما لمسناها في مفاوضات سد
 النهض. 
الموقف الحالي من الأزمة ادى لانخفاض حصة القطاع الزراعي من الناتج القومي الى اقل من 5 % في ارض السواد. فالحلول ترقيعية والمفاوض العراقي لا يتسلح سوى بالاسلحة التقليديه، انطلاقا من مبادئ حسن الجوار بالاساس، التي لا تفهم عمليا في الملفات الحادة، كما انها ليست مجرد ملفات بابعاد ايديولوجية او مواقف انتقامية كما يروجها قصار النظر احيانا انها مسالة وجودية. 
في ضوء ذلك اقترح البعض ان نشكل مجلس اعلى للمياه، وهذا حق امام تحدي الوجود، نعم كلمة حق ولا نريد لهذا المجلس ان يصطف مع بعض المجالس لتصبح غالبا استشارية غير فاعلة، او تفتقر لاعمدة كافيه لتستوي عليها، منها مثلا تحويل القضية كقضية رأي عام مما يدفع بالفعاليات الاجتماعية والسياسية الاقرب لدول المنابع بما فيها سوريا، لمعاجة الموضوع بندية تتحدث عن مصير مشترك ويحقق عمليا وضع الامور في نصابها، اي جعل الاقربين يأخذون دورهم ليحولوا من دور الفرع الى دور الرافد الذي صنعته ظروفنا السياسيه الاقصائية. ويعامل المجلس الاعلى هذه الجهات كطرف استشاري ساند. ولتعزيز الارضية الصلبة للمجلس ينبغي العمل على استيراد او المساعدة في تصنيع اجهزة الرش والتنقيط او المساعدة في اقامة الخزانات والسدود، كخطة تكاملية لمعالجة الهم المشترك، ولا بأس في المساعدة العلمية في مسالة الآبار، اضافة الى التشارك في مشاريع مشتركة في الانتاج الحيواني او الزراعي حسب خبرات الطرفين 
المتعاقدين. 
ولعل ما يعزز كل ما تقدم هو وحدة الارادة العراقية وعمقها التاريخي هو عودة ارض الرافدين لخضرتها القاتمة التي تسر، أن يتزامن ذلك متوجا بانشاء الغرفة الثانية البرلمانية، لتضع حدا مع المحكمة الاتحادية ومجلس الخدمة والخدمة الالزامية، لجميع ما اعترى عراقنا من مفاهيم وشعارات متقاطعة وتشوهات اقليمية ودولية انعكست ووصلت لطريق مسدود تماما، مما يشجع العدو والصديق على تعاطٍ 
مختلف.