الدولة والمثقف

ثقافة 2021/11/14
...

علي حسن الفواز
المثقف والدولة، ثنائية تحتاج الى المراجعة دائما، ليس لأنها بلا تاريخ، أو لأنها محفوفة بكثير من عقد الذاكرة، واوهام الاستبداد، بل لأنها ذات حساسية اشكالية، بسبب الطبيعة المركزية للدولة، وتشاكلها مع الطبيعة النقدية للمثقف.
فهل يعني هذا التوصيف القطيعة بينهما؟ وهل هناك كيفية لتأهيل او ترميم العلاقة ما بين المثقف والدولة؟ لا سيما أن الدولة غير السلطة، وان مسؤولية المثقف إزاء الدولة تختلف عن موقفه، أو نقده للسلطة، وأن حاجة الدولة للبناء الثقافي صارت ضرورية. أحسب أن الأمر يحتاج الى قراءة أخرى، بعيدا عن تلك العقد والصراعات، وقريبا من وعي مسؤوليات المثقف في ظل تحولات كبيرة تستدعي حضور الثقافي، كقوة نقدية لتحسين اداء السياسي، ولايجاد بيئة «سسيوسياسية» تكفل تلك التحولات وتحميها، وتعزز مسار البناء الديمقراطي للدولة، وتعمق وظائف العقل النقدي في حياتنا المكشوفة على رثاثات متعددة، وعن مشكلات تتطلب انتاج صورة «المثقف العضوي» بوصفه صورة للمثقف الفاعل والمنتج والواقعي، والذي نحتاجه اليوم كقوة حقيقية في عمليات التغيير والتنمية، وفي عقلنة التحول الديمقراطي للدولة ومؤسساتها، ولأشكال ادائها الاجتماعي والسياسي، وتعزيز عمل القوانين التي تكفل التعايش والتحاور والتعدد والتنوع.
قد يبدو غياب المثقف بمعناه «العضوي» عن المشهد، مظهرا من مظاهر مشكلات الاجتماع السياسي، ومن طبائع انسداده المعرفي، وفقر ادواته في انضاج عمليات بناء الدولة ومؤسساته، ومن غلو مظاهر الفساد والفشل، لكن ذلك لا يعني التهاون والضعف في البحث عن مسؤولية النقد، وعن القيم الفاعلة التي يمكن ان تنهض به كممارسة ثقافية، وعلى وفق برامج ومشاريع وستراتيجيات للتنمية البشرية، التي تشمل «تنميات» المعرفة، والعلم، والأدب والفن والتعليم والخدمات، والبيئة والصحة، وغيرها من الحقول التي تدخل في المجال الانثربولوجي للثقافة، وبما يعزز قيم التعايش بين المكونات العراقية، على مستوى قيم المواطنة والحقوق والحريات والقبول بالاخر.
هذه المعطيات يمكن لها أن تتسع وتنمو مع القوة المؤسساتية للدولة، إذ تُسهم هذه المؤسسات في دعم واسناد البرامج الثقافية، مثلما تتعزز فاعليتها من خلال قوة الثقافة، بوصفها خطابا ورأيا عاما ومنبرا للنقد، ولمواجهة مظاهر الارهاب والعنف والتكفير والفساد، ومن منطلق أن البناء الثقافي هو بناء اخلاقي وانساني، وأن تفاعله وتكامله يعني تشييد الأطر الصيانية للمشروع الوطني، فضلا عن دورها في تأهيل المواطن لمسؤولية الانتماء والمشاركة والنقد، وهذا ليس غريبا في التاريخ، ففلاسفة فرنسا حملوا السلاح، ومكثوا في الخنادق لمواجهة الاحتلال النازي، مثلما أن مدارس فرنكفورت وبراغ وشيكاغو النقدية اسهمت الى حد كبير في انضاج الاسئلة النقدية الداعمة للحريات والحقوق، وفي ادانة الفشل السياسي، وفي تعظيم مسار الديمقراطيات في العالم الحديث.