{الميتاڤيرس} العالم الجديد ومشكلات انتهاك الخصوصية

آراء 2021/11/16
...

  حسين المولى
بادئ ذي بدء، ان التطور الكبير في العالم الافتراضي يجعلنا نعيش تجارب ملهمة وتصورات هائلة يمكن ان نتصورها تارة وتارة أخرى لا يمكننا ذلك، ولكن مع وجود تقنيات الذكاء الاصطناعي وما رافقتها من تطورات يكون خيال توقع كل شيء هو أفضل ما يمكن ان يكونه العقل من تصورات، من خلال ذلك ومع تزايد التطبيقات الإلكترونية ودورها في وضع نظم عالمية جديدة.
برزت شركة "فيس بوك" في تبني توجه جديد في العالم الافتراضي من خلال دخولها عالم الميتاڤيرس Metaverse، وهو العالم الافتراضي الجديد الذي تُبني عليه غالبية الشركات التقنية برمجياتها الحديثة، الكلمة التي تتكون من شقين الأول «meta» (بمعنى ما وراء) والثاني Verse مشتق من كلمة الكون universe، حيث يستخدم هذا المصطلح عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية للإنترنت، المكون من مساحة ثلاثية الأبعاد ثابتة ومشتركة ومرتبطة مع كون افتراضي مدرك، هذا ما تبحث عنه الشركات وخاصة من خلال وضع خطط استثمارية في أنظمة ومعدات حديثة، مثل النظارات 3D نظارات الواقع الافتراضي، وقد أعلنت {فيس بوك} توظيف أكثر من 10 آلاف شخص في مشروع {ميتافيرس" الأوروبي، ومما ساعد في تنامي هذا التوجه هو السرعة العالية التي يعطيها تطور الشبكة العالمية - الإنترنت- 5G، حيث يمثل هذا التطور محرك التقدم لتقنيات الميتاڤيرس، حيث يُعد فيلم الخيال العلمي «ريدي بلاير وان» (2018) من أول الأفلام التي قدمت لمحة عما تتنبأ به شركات التقنية وما الخطوة العظيمة المقبلة للإنترنت، حيث تتحدث قصة الفيلم المستوحى من رواية لإيرنست كلاين (2011) عن طفل يتيم يهرب من وجوده الكئيب في العالم الحقيقي عبر الانغماس في خيال باهر في عالم افتراضي، ويضع بطل الفيلم على رأسه جهازاً يشبه نظارات غوغل ويهرب إلى كون افتراضي اسمه {أواسيس}، في الإعلان الترويجي للفيلم، يقول البطل: {يأتي الناس إلى أواسيس لوفرة الأشياء التي يمكنهم القيام بها، ولكنهم يبقون فيه لكثرة الأمور التي يمكنهم أن يصبحوا فيها}، حيث مهدت هذه الأفكار في طموح شركات التقنية في تطوير تقنيات تشبه الخيال العلمي، حيث سيمضي البشر وفي وقت قريب أوقاتهم في مجتمع افتراضي تفاعلي، يكون مليئًا بالألعاب والمغامرات والشراء الإلكتروني والعروض النادرة التي تأتي من عالم أخر، وهذا ما كنا نشاهده في أفلام الخيال العلمي، حيث يطلق عليه اليوم عالم {ميتافيرس} أو {كون الواقع الافتراضي}، كما ان الميتاڤيرس يختلف عن الواقع الافتراضي الموجود اليوم الذي يقدم لمستخدمه تجارب معزولة وبعض فرص اللعب مع أشخاص آخرين بواسطة إكسسوارات ثقيلة للرأس وأجهزة أخرى، ويأتي الميتافيرس على شكل فضاء رقمي هائل ومشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي ببعضهما، ويتيح للشخصيات الافتراضية القفز من نشاط إلى آخر دون أي عوائق، حيث سيكون من الممكن في هذا العالم الجديد القدرة على التسوق الإلكتروني، وعلى اجراء المقابلات الأصدقاء افتراضيًا، والعمل عن بُعد من نريد، كما سيُمكننا هذا العالم من مشاركة مساحات رقمية وموسيقى وأعمالنا الفنية والإبداعية، كما سيمكننا القدرة على دمج العالم الواقعي بالافتراضي مما يعزز الصورة الرقمية للعالم أكبر مما عليه الآن، ويمكن لنا أيضا ان نتخيل وبصورة واقعية جدًا في اننا من الممكن ان نتمكّن على سبيل المثال من حضور مباراة لكرة القدم لا نستطيع الذهاب فعليًا إلى مكان انعقادها وذلك عبر ما يُعرف بـ الأفاتار (صورة رمزية ثلاثية الأبعاد) الذي يمثلك ويجلس على مقعدك، مشاركًا شخصية جارك الرقمية أيضا في تحليل مجريات المباراة، هذا كله في عالم الميتاڤيرس عالمنا الجديد، ومع كُلّ ذلك نجد ان هناك فجوة كبيرة ستحصل بين هذا العالم والنظم القانونية، فلا بُعد ان تكون هنالك تنظيمات قانونية تعالج مخاطر هذا العالم وما ترافقه من انتهاكات وخاصة انتهاك الخصوصية، والتعدي على بيانات المستخدمين، حيث سيكون هذا العالم بيئة خصبة لارتكاب العديد من الجرائم، لذا من المنطق القانوني ان ينظم عملها بصورة مُثلى بما لا يدع مجالا للمنظمات الإجرامية ان تنشأ لها بيئة صالحة لإجرامها، فلا يمكن ان تكون هنالك نظم تقنية ناجحة في مجتمع ما من دون وجود قوانين تنظم عمل هذه التقنيات، وتكافح الجرائم الواقعة سواء عليها 
أو فيها.