أفواج بشرية تمتطي الأمواج الى أوروبا

العراق 2021/12/01
...

بغداد: نافع الناجي
حرمت نادية من مشاهدة أبنها البكر وديع، مذ سافر قبل خمسة أعوام إلى أحدى دول أوروبا مروراً بتركيا عبر الموجات البشرية التي امتطت البحر، فمنهم من التهمته أسماك القرش غارقاً في لجّة المتوسط، ومنهم من نجى وظل حبيس «الكامب» أو كان حظه أحسن قليلاً ومنح الإقامة المؤقتة أو حق اللجوء الإنساني. 
تلتقط الأم شبكة الـ Wi-Fiمن زاويةٍ لأخرى في بيتها الصغير، سعياً وراء أفضل سرعة متاحة من الإنترنت، تحادثه عبر التطبيقات الإلكترونية مكالمة صوتية أو فيديو ليخبرها عن يومياته وعمله المضني الذي يعيش منه، ومع ضعف المحصول وإصطدامه بظروف عمل قاهرة في الغربة، فهو يسعى أن يرسل لها منه مصروفاً يعيلها في ظروف البلاد الصعبة, لكن سرعان ما يحتد النّقاش عند الحديث عن مستقبل العودة, إذ يرفض وديع حتى الخوض في غمار هذا الحديث. 
تقول نادية لـ “الصباح”،: إن “ولدي سافر بعد تخرجه من الجامعة نتيجة إحساسه بالضياع وعدم تحقيق أي شيء مما يصبو اليه، سيما ان البلد كان يعاني من غزو جراد داعش وماجرى من نزوح وتهجير ودمار”، وأضافت “قرر مثل غيره من الشباب سلوك طريق الهجرة غير الشرعية (التهريب او القجق) ورغم رفضنا جميعاً لم ينصت ومضى بتنفيذ
 قراره”.
كانت فكرة وديع ومجايليه من الشباب، أن من تسنح له فرصة الهجرة والسفر ومغادرة البلاد، كأنّه وجد كنزاً لاعتقاده أنّها وسيلته الوحيدة للعيش وتكوين الذات من جديد.
يشير تقرير الهجرة الدولية الصادر عن شعبة السكان بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة الى انّ النمو في عدد المهاجرين الدوليين كان قوياً على امتداد العقدين الماضيين، وأنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية بلغ 281‬ مليون شخص لغاية العام 2020 ، بيد ان جائحة كورونا أبطأت نمو الهجرة قليلاً.‬
الناشطة الاجتماعية المهندسة بتول الداغر، تقول “حين نتحدث عن دافع الشباب الأول للهجرة  وأسبابها، نجد أنّهم يبحثون عن الاستقرار النفسي أولاً ولإيجاد واقع أفضل لهم معيشيّاً وماديّاً في ظل ارتفاع الأسعار اليومي الذي لم يعد حكراً على سعر الصرف, وإنّما على جشع تجار يستغلون الفرص”.
الشاب ليث نعيم يشدد، أن”فرص العمل للشباب والخريجين تحديداً، تبدو نادرة وان وجدت فالرواتب ضعيفة لا تكفي لتحقيق أي متطلب في هذه الحياة 
الصعبة”.
وأضاف “أعرف عدداً كبيراً من الأسر لاتتناول اللحوم ولاحتى الدّجاج، فقد أصبحت هذه المواد حكراً على الطبقة المرتاحة من الشعب لارتفاع أسعارها المتزايد والمتغيرة يوماً أثر يوم، وأصبح المواطن يسأل بكم سعر كيلو الدجاج اليوم؟ كأنه يسأل عن سعر الصرف لكن بلغة 
الطعام”!.
وتضيف الداغر “عدا أسعار المواد الغذائية والتّموينية الأخرى، فمن الأسباب التي تدفع الشباب للهجرة، هي تكاليف الزواج التي لا يحتملها إلا مَن خُلق وفي فمه ملعقة ذهبية، إضافة إلى شروط الأهل غير المنطقية من زواج ابنتهم معتقدين أنّهُ مارد علاء الدين، والتي تشمل الحليّ والذهب والمنزل والوظيفة والسيارة..الخ، من الطلبات غير الواقعية “.
ويبدو إن جميع تلك الظروف (تكوّرت) ككرة ثلجٍ نازلة من علٍ، لتكون سبباً في سعي الشاب للهجرة، علّه يستطيع في أقل تقدير، تأسيس أسرة لا ينام أولادها جياعاً وهم يشتمون أباءهم سراً كونهم سبب مجيئهم إلى هذا الواقع المضني