معاقلة التعصب القبلي

آراء 2021/12/05
...

  حسن عودة الماجدي
 في خضم التعصب الجاهلي المسيطر أصلا في التشريع والتنفيذ وبين الرفض والقبول أمام الرضا القهري من رؤساء وشيوخ العشائر في الزمن الغابر وتحديات الزمن الراهن، نود أن نبين ما يجسد من التعصب القبلي وما معنى {المعاقلة}، حقيقة الأمر أن المعاقلة هي {العقل} وهي الدية سميت عقلا في ذلك الزمن
    
لأن الدّية كانت عند العرب في الجّاهلية {إبلاً} لأنها كانت أموالهم فسميّت الدّية عقلاً، حيث إنّ القاتل كان يكلّف أن يسوق الدّية الى فناء ورثة المقتول فيعقلها بالعقل {وهو الرّباط المفتول من الوبر} ويسلمها الى أوليائه.
هذا وقد جرت عادة الجّاهليين أنّ أهل القرية لا يعقلون عن أهل البادية ولا أهل البادية عن اهل القرية، فكل طبقة ملزمة بالعقل عن طبقتها {لسان العرب 11/461}، ففي هذا الصدد ورد نص قانوني مدون بالمسند إنّ الجّماعة تكون مسؤولةً عن أية جريمة تقع في حماها اذا لم يعرف الجّاني، أو اذا لم يسلّم الى المحاكم.
ومعنى هذا لزوم إسهام {الجّماعة} في البحث عن المجرمين للاقتصاص منهم، والاّ أعتبرت مسؤولة عن الضرر الذي وقع بفعل الجّاني، فاذا وقع قتيل في مكان ما ولم يعرف القاتل أو لم يسلّم الى المحاكم، أمهله أهله اربعة ايام للبحث عنه لغرض تسليمه، فإن لم يسلّم يصادر حصاد الجّماعة أو يصادر ماعندهم من مال ويودع في خزانة الحكومة أو المعبد رهنا، الى حين صدور حكم الملك أو الحاكم بالقضية {مملكة سبا ص 134}، اذ كانت غاية المشرّع من وضع هذا القانون هو إشراك الجّماعة مع الحكومة في تعقب المجرمين والقبض عليهم، ثم التّعويض لأهل القتيل بدّفع الدّية، أي ثمن الضرر الذي لحق بهم في حالة عدم التّمكن من الوصول الى القاتل، لأخذ حق الدّم منه كذلك تكون الطوائف مسؤولة عمّا يلحق بأفرادها من أضرار، فإذا مات شخص في اثناء الواجب يكلّف به أو أصيب بضرر أثناء ذلك الواجب، فعلى طائفته دفع تعويض عمّا أصابه يوضع في خزانة المعبد، وأما سقوط المسؤولية فإنها لا تسقط مسؤولية الأهل من جرائم أبنائهم، ولا مسؤولية القبيلة من افعال أفرادها الّا اذا اسقطت {العصبية} عنهم، على أن يعلن عن اسقاطها في الأماكن العامة بصورة صحيحة وشرعية، ليكون ذلك معروفاً بين الناس، والّا بقيت المسؤولية قائمة في رقبة من تقع عليهم.
أو متى {خلع} الخليع وأشهد الشّهود على خلعه، صار اقرباؤه وأهل قبيلته في حل منه، من أي معضلة تقع عليه والّا تحمّلوا وزره من جديد {والخلع} يعني بالمفهوم التعصبي معاقبة الذي لايكترث بالسنن العرفية للقبيلة وتعني في الوقت الحاضر {بكسر العصا} للمذكور، ومتى خلع أي كسرت عصاه من الأهل والعشيرة سقطت عندئذ مسؤوليات عمله عن أهله وأقربائه وحصرت به وحده. 
وعليه أن يحمي نفسه بنفسه وأن يدافع عن جرائره بيده. 
ويقال لهذا الانسان {الخليع}، أي مكسور العصا.
فإذا قتل لا يسأل عن قاتله، بل يذهب دمه هدراً وفي هذا المقام قال الامام علي {عليه السلام}، لا يستغني الرّجل وإن كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمّهم لشعثه وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت 
به.