اختتام فعاليات مهرجان المحبة والجمال في البصرة

ثقافة 2021/12/05
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
أختتمت مساء السبت فعاليات مهرجان المحبة والجمال الذي تقيمه رابطة مصطفى جمال الدين في مدينة البصرة، المهرجان الذي جاء بدورته الثانية حمل أصواتاً جديدة لم تشارك في الدورة الأولى، فضلاً عن أسماء جددت تجربتها للمرة الثانية، لكن بتطوّر ملحوظ عن المشاركة السابقة.
المهرجان الذي اختص بالشعراء الشباب ما دون 35 عاماً، حاول تقديم الأصوات الجديدة التي لم يحالفها الحظ بالمشاركة بالمهرجانات المركزية التي تقيمها اتحادات الأدباء في العراق، مثل مهرجان المربد ومهرجان الجواهري وملتقيات قصيدة النثر في بغداد والبصرة والنجف. لهذا سعت إدارة المهرجان إلى اختيار أكثر من 50 شاعراً من مختلف المدن العراقية، فضلاً عن شعراء مدينة البصرة لتقديمهم بالشكل اللائق لهم، وللتجربة الشابة في العراق. المهرجان الذي اختتمت فعالياته يوم السبت الماضي، افتتح أعماله مساء الخميس على قاعة المركز الثقافي النفطي في مدينة البصرة، واستمر لثلاثة أيام بواقع خمس جلسات شعرية، وثلاث جلسات نقدية تناولت التجارب الجديدة، فضلاً عن إقامة معرض تشكيلي وإصدار جريدة خاصة بالمهرجان بعنوان (الرابطة) التي ستكون دائمة الإصدار باسم رابطة مصطفى جمال الدين. وفي هذه الدورة دعت الرابطة بحدود 90 أديباً بعضهم مشاركون والبعض الآخر نقاد، فضلا عن ضيوف شرفيين.
 
أدونيس شاباً
فعاليات الافتتاح كانت تقليدية، من قراءة للقرآن الكريم والنشيد الوطني وكلمات السادة المشرفين فضلاً عن كلمة الشاعر كاظم الحجاج، غير أن ما كان خاصاً بالمهرجان، الرسالة التي بعث بها الشاعر العربي الكبير أدونيس لتحية الشعراء الشباب ورابطة مصطفى جمال الدين. قائلاً فيها: (أحيي هذا اللقاء في فضاء الشاعر مصطفى جمال الدين، وفي أفق الحركة التاريخية الخلّاقة، وبخاصة في صورتها الإبداعية الشعرية، الإنسان شاعر بطبيعته، لأنّه ولد في سرير الطبيعة وفي أحضان المجهول، وبين يدي السؤال. هكذا كان الشعر سؤالاً يقود إلى مزيد من الأسئلة، ولئن كانت هناك أجوبة، فقد تركها الشعر للأيدلوجيات الدينية أو السياسية، غير أنَّه احتفظ بخاصيته النقدية الغنية العالية، استشرافاً لما وراء الأجوبة كلّها، وتأسيساً لعالم إنساني- جمالي متعدّد ودائم التجدّد، فالشعر جوهرياً استشرافاً للمجهول، واستبصاراً كيانياً في الذات والآخر والحياة، وانفتاحاً بلا نهاية، على اللانهاية. وفي حديث خاص لصحيفتنا، تحدّث الشاعر محمد مصطفى جمال الدين، رئيس رابطة مصطفى جمال الدين ورئيس المهرجان، مجيباً عن تساؤلنا: لماذا الشباب؟ قائلاً إنَّ الإبداع لا يحدّد بعمر، ولكن نحن في الرابطة منذ أول يوم في تأسيسها اهتممنا بالشباب، هذه الفئة التي ليس لديها فرصة في الساحة الثقافية العراقية، وحتى في البيان الأول للرابطة الذي صدر في يوم 20 آذار 2014، يقول إنَّ الرابطة تفتح ذراعيها للأديبات والأدباء شيوخاً وشباباً وهواة أدب، لذلك عندما فكّرنا بإقامة مهرجان المحبة والجمال لم يكن المقصود بالمهرجان الشباب، لكنَّنا توقفنا عند نقطة رئيسة، وهي أنَّ مهرجان المربد يقام في البصرة أيضاً، وهو معني بالشعر العراقي والعربي من مختلف الأعمار والفنون الشعرية، وهذا كان نقطة تقاطع مع مهرجاننا، وكان تساؤلنا حينها عن المدعوين والدعوات التي سنوجّهها، لذا كان علينا خطّ طريق خاص لنا، فهنا كان علينا استهداف الفئة التي لم تجد فرصة، وهي الشباب، أمَّا تحديد العمر فكان بسبب التمويل المادي للمهرجان الذي حدّد عدد الدعوات كلَّ عام، لذا اضطررنا أن نحدَّد عمر الشاعر من 35 سنة فما دون ذلك. وفي جواب عن تساؤلنا: هناك شباب بهذا العمر لهم تجربتهم ونتاجاتهم المعروفة أيضاً؟ أجاب جمال الدين إنَّ هناك الكثير من الشباب دون 35 سنة اعتذروا عن المشاركة منذ العام الماضي لأنَّ تجربتهم معروفة ولهم نتاجات أدبية صادرة فضلاً عن مشاركاتهم المستمرَّة في المهرجانات العراقية والعربية المعروفة. فالمهم لدينا الشباب الذين لم يجدوا الفرصة في المهرجانات الأخرى. أما عن فعاليات المهرجان، فقد بيّن جمال الدين أنه استمرَّ لثلاثة أيام، كان لدينا في يوم الافتتاح في المركز الثقافي النفطي، الكلمات الافتتاحية وقراءات شعرية، وفي اليومين الباقيين صاحبت القراءات الشعرية جلسات نقدية، وقد تمَّ اختيار خمسة نقّاد، وهم: الدكتور ضياء الثامري والدكتور حازم هاشم والدكتور رحمن غركان والدكتور سراج محمد والدكتور نائل الزامل. مضيفاً: كان من المفترض أن تقام بعد كلِّ جلسة شعرية هناك جلسة نقدية يديرها أحد النقّاد، وهو أنَّ جلسة الافتتاح لا نستطيع إقامة جلسة نقدية معها، لذا تمَّ تأجيل الجلسة النقدية التي يقدّمها الدكتور ضياء الثامري إلى الجلسة الصباحية في اليوم الثاني، في حين كانت الجلستان النقديتان الأخريان متزامنتين مع الجلسات الأخرى.
 
الشباب نقدياً
ولكي نقف على التجارب الشابة الجديدة من خلال هذا المهرجان، تحدّث الدكتور حازم هاشم، بوصفه أحد النقّاد المشاركين بالمهرجان والذي اطلع على بعض التجارب المقدّمة خلاله، كاشفاً أنَّ تتبّع تجربة الشباب الآن لا يمكن أن نشكّل لها ظواهر نقدية ثابتة وقارّة، والسبب الرئيس يكمن في أن التجربة ما زالت في طور التكوين لبعضهم، والالتباس للبعض الآخر، لكنهم إجمالاً يقعون في دائرة وفي حيِّز التجربة العراقية في الكتابة، فإذا كان هناك نص عراقي عمودي كما نزعم ونتحدَّث، فإنَّ هؤلاء الشباب ينتمون له، على الرغم من أنَّهم يبحثون عن المغايرة، لكنَّ مخيّلتهم ما زالت بكراً، وما زالت تجاربهم في بدايتها، وعلى الرغم من هذا، فإنَّهم يعيشون في حالة التباس هو جزء من مشهد ثقافي عام وجزء من مشهد سياسي واجتماعي أكثر عمومية.
وأضاف هاشم: ميل هذه الأجيال، لا سيَّما المولودين في التسعينيات وما بعدها، إلى التمرّد السياسي والاجتماعي انعكس على روح هذه القصائد، فتجدها قصائد متمرّدة بنزعتها، ميَّالة إلى كسر المألوف والطبيعي والنمطي، وتجد أنَّ مساحة الكلاسيكي والمدرسي والتقليدي يخفت ويضعف في مقابل محاولة الانجرار إلى الحداثة، لكنهم ما زالوا- إلا ما رحم ربي- وهذا ما سنشير إليه في الجلسات، أسرى تجارب شعرية عراقية أقدم منها.
 
لغة الشعر
ويؤكّد هاشم أننا عانينا في التسعينيات في القصيدة العمودية تحديداً، من أنَّ المعجم يكاد يكون واحداً، بمعنى أنَّ ألفاظاً مثل البوح، الماء، المطر، بعض الألفاظ التي كانت تبدو معيبة في القصيدة العمودية، في التسعينيات تمكّنت من شقِّ طريقها إلى النص، وإلى اكتنازات تبدو أقرب إلى قصيدة النثر، لكن بإطار إيقاعي وعمودي.. الآن أغلب الشعراء يدورون بالمعجم نفسه، الذي يكاد يكون متشابهاً، إلى درجة أنَّك بمجرّد أن تحذف الأسماء من النصوص تكتشف أنَّ الكثير من النصوص متشابهة إلى حدِّ التطابق، لكنَّ هذا لا يعني عدم فرادة بعضهم، فهنا تتميّز الروح، هناك روح حزن عند البعض، وهناك روح تفاؤل عند البعض الآخر، ومع ذلك فهم بنزوعهم إلى التمرّد يتّفق تماماً مع ثقافة ما بعد 2003، ويتّفق مع الاحتجاجات السياسية التي حدثت في الأعوام الأخيرة، بدءاً من العام 2011، ومن ثم 2015، و2017 في البصرة، وصولاً إلى العام 2019 وثورة تشرين وما حدث فيها.. فهذا النزوح العام انعكس على ذواتهم، فهم يقرؤون كلَّ ما يكسر التابوهات، وقراءاتهم لما هو خارج التابو، فضلاً عن أنَّ ثقافتهم ليست مركزية، وموجّهة بحكم تقانات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، فذهبوا إلى أنواع من التمرّد والتقنيات المغايرة، وهنا لا يمكن لنا أن نحكم على ما تمّت قراءته من قبل ناقد واحد فقط، بل إنَّ هناك نقاداً آخرين، والآن حينما انتهى المهرجان يمكن لنا أن نقدّم رؤية نقدية حول هذه التجارب، لكنها لا تختلف كثيراً عمّا تم طرحه الآن.