جنة.. بلا روح

آراء 2021/12/06
...

  حسين الذكر
 
كثيرة هي مشاهد الاعتزاز بالوطن – اي وطن كان – فلا أفضلية لوطن عمن سواه.. هنا نتحدث عن الولادة والنشئة والتاريخ والأهل والأقارب والخلان وكل مستلزمات صناعة الضمير والوجدان. حيث يكون الانسان جزءا من تربة أرضه وبيئته التي لا يقوى على فراقها أبدا. اذ إن كثيرا من الغرز والناموس الخفي والارث. اضافة الى مجاهيل تراكمات اخرى تعمل جاهدة لإعادة صياغة الانسان بما تسوقه اليه ذاته. 
لم يعد هناك بلد لا توجد فيه جاليات لأسباب وضرورات متعددة متنوعة. وهذه الجاليات المتواصلة مع جذورها عبر اجهزة وبرامج التواصل التي تعد من نعم التقنيات والعولمة – اذا ما أحسن التعاطي معها حضاريا - مع كل ما توفر في بلدان الغرب او الدول المتقدمة للجاليات، لا سيما العربية منها. الا أن أغلبهم يتمنون العودة الى أحضان الوطن الأم، الذي لا بديل ولا عوض عنه. تحيل بين عودتهم اليه ملفات عدة، تتوفر لهم في دول المهجر، لكنها عصية عليهم في بلدانهم مع أنها تعدُّ من أساسيات الحياة وضرورات الانسان.. منها (الأمن والسكن والخدمات...). 
راعتني كلمات الشاب ثائر خلف جارنا الذي غادر العراق مع بديات التغيير، متجها صوب بلاد العم سام التي فتحت أبوابها لآلاف الأسر العراقية لغاية في نفس يعقوب. وقد عاش هناك الكثيرون وعاد جزء منهم وآخرون – الا قلة – يتمنون اليوم توفر مستلزمات العودة ليعودوا فورا.. فلا فرق بين من يهجر وطنه تحت عنوان الاغتصاب والاحتلال او ضعف الامن والعوز وسوء الخدمات.
سألت ثائر عن رأيه في دول المهجر والغربة، فقال (هنا يتوفر كل شيء لنا، ما لا يمكن أن نحصل على معشار منه في بلداننا. جرّاء بيئة يحكمها القانون ويسودها مبدأ التحضر وعصرنة الانسان. بصورة تجعل منا نعيش جنة مصنوعة بعقل الانسان على الأرض. لكنها للأسف بالنسبة لنا نحن المغتربين والمهجرين، تعد جنة بلا روح مهما قدمت وملكت. اذ إن الروح تساق بلا هوادة نحو مصاف دولة اخرى تتكدس بها مثالات وجمالات اشياء كثيرة نجهلها، لكنها متربعة متسيدة على مقبض كل شيء فينا بتواصل مستدام وانقياد تام الى حيث ربوع الوطن، ذلك الوطن الأم الذي لا بديل سواه.