أحمد عبد الحسين
لا تكذبُ إيرانُ على نفسها ولا على الآخرين. شأنها شأن كلِّ دولة تحترم نفسها وتدرك أهميتها، فإنَّ حراكها السياسيّ يدور حيثما دارت مصالحها. أداؤها المميّزـ مجابهةً وتفاوضاً ـ كاشفٌ عن ذلك.
تسعى إيران هذه الأيام إلى إحداث انفراج مع جيرانها بعد عقودٍ من الاحتقان الذي تخلله لعبٌ إقليميّ خشن على حافة الهاوية. مفاوضاتها والسعودية التي جرتْ على أرض العراق وبرعايته أزاحتْ أطناناً من الكلام الرميم الذي كان يزعق بهتافات حربٍ طالما قالت إيران إنها لا تريدها ولا تسعى لها ولم تكنْ إيرانُ تكذب. الزاعقون باسمها هم الكاذبون.
ما من دولة تحترم اسمها تسمح لآخرين بأن يتحدثوا نيابة عنها. لا أحد ينوب عن دولة في إعلان حرب أو الجهر بعداوة، ولذا فإنَّ كثيرين ممن يظنون أنهم عرفوا إيران معرفةً تسمح لهم بأن يكونوا ناطقين باسمها، صمتوا أمسِ بعد أن رأوا مستشار الأمن القوميّ الإماراتي في طهران. تلك خطوة أخرى في طريق انفراجٍ لا بدّ منه لاستقرار المنطقة بعد طول اضطراب.
والآن.. ما موقع العراق في هذا التقارب الرحمانيّ بين الجيران؟
ليس أقدر من العراق على أن يكون جسراً يصل بين الضفتين الحضاريتين على جانبي الخليج، كنا قنطرة الوصل بين إيران والسعودية من قبلُ ويمكن لنا الاستمرار في هذه المهمة.
لكنّنا لا خبرة كبيرة لنا في صناعة الجسور. ساستُنا لم يستطيعوا بناء جسور بين مكونات الشعب الواحد، ولم يبرعوا إلا في صناعة الجدران، المادية منها والمعنوية، من الصبّات الكونكريتية البغيضة التي قطعتْ المدنَ أشلاء، إلى الكتل الطائفية بين الأخ وأخيه. مطلوب منهم الآن بناء جسر كبير لإنقاذ المنطقة. وهي مهمة شاقّة.
سهلٌ أن تبني جدراناً. العبقرية أن تشيد الجسور.