رعاية العمليَّة السياسيَّة

آراء 2021/12/15
...

  حسين رشيد
 
بعض المعارضين للنظام السابق، ممن شغلوا في سني التغير الأولى مناصب في إدارة شؤون البلاد، من المفترض أنهم اكتسبوا خبرة ودراية في التحوّل من المعارضة الى السلطة، وفهم أسس السياسية الحديثة داخليا بين القوى السياسية المتنافسة برلمانيا، وخارجيا بين المحيط الاقليمي للبلاد وبقية دول العالم، والتعامل وفق رؤى وطنية واحدة، بعيدة عن الانجذاب نحو دولة أو محور معين، يضع الجميع في زاوية حرجة أمام الشعب والتاريخ، ويقلل من فرص استقرار البلاد سياسيا، وأمنيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ويضعها في دوامة أزمات لا حصر لها ولانهاية، فحينها لن يقف الشعب وقواه المؤثرة مكتوفي الأيدي طويلا. 
انتخابات حكومة 2018، حاولت التخفيف من الصراع الخفي، الذي كان يدور بين أقطاب العلمية السياسية بوجه العموم وداخل كل مكون وتوجه سياسي، لكن تلك القوى لم تتمكن من السيطرة على الصراع، الذي رمى بكل ثقله على الوضع العام، وتسبب بتوتر سياسي ومجتمعي، وكاد يشلّ مفاصل البلاد ويذهب بها الى أزمة حادة وطريق مسدود، وتزامن هذا الصراع مع اندلاع تظاهرات تشرين، التي كان من المفترض أن يجلس كل الفرقاء على بساطه ويتحاورون بكل شفافية ووطنية، لا أن تُقمع وينُكل 
بشبابها. 
في الوقت ذاته كان بالإمكان أن يتحول الرعيل الأول من ساسة ما بعد التغيير  النيساني 2003 الى رعاة للعملية السياسية والجلوس عند نقاط التفاهم التي بينهم، وسعاة الى فتح مغاليق أي توتر أو أزمة بين الحكومة والشعب أو بين القوى المتنافسة، وهذا لا يفرض عليهم الخروج من الانتماء الحزبي لأي منهم بل جعله حلقة وصل، ودعاة لوحدة البلاد الوطنية، وجمع شتات الأطراف كلها، لأجل الابتعاد عن أي منزلق. لكن الذي يؤسف أنه لم يسعَ أي منهم لأخذ هذا الدور المهم، وأبقوا بوابة الخلافات مفتوحة، من دون أن يبحثوا عن أي نافذة للحلول لعدم ترحيل تلك الخلافات الى مراحل 
مقبلة. 
تظاهرات تشرين كانت فرصة مواتية لن تتكرر للقوى السياسية لتصحيح مسار العملية السياسية، وإخراجها من جلبابها، والنأي بالبلاد عن شتى التجاذبات والصراعات الاقليمية والدولية، والخروج بحوار وطني إلى جملة توصيات تمهد لإنتاج عملية سياسية جديدة بعيدة عن تراكمات تجربة 18 عاما أرهقت البلاد وأتعبت 
العباد. 
أمّا الآن فأزمة انتخابات تشرين 2021 لن تنتهي بسهولة، وإن انتهت فارتداداتها ستبقى تقوى وتخفتُ حسب نوع وشكل الأزمة وأمدها، على الرغم من أن الانتخابات كانت بمثابة حلول ديمقراطية لأزمات سياسية.