المعارضة الغائبة

آراء 2021/12/19
...

 د. صادق كاظم 
 
في العراق ثنائية سلوكية غريبة، حيث ترفض الكتل والاحزاب السياسية أن تذهب الى مقاعد المعارضة بعد كل إعلان لنتائج الانتخابات، اذ إنها تصر على الاشتراك في الحكومة بغض النظر عن النتائج وحجم تلك الكتل ووزنها بناء على تلك النتائج.
معظم دول العالم التي تمارس عمليات الاقتراع تفرز نتيجة واحدة، وهي ان الفائز يذهب الى تشكيل الحكومة، اما الطرف الخاسر فيختار مقاعد المعارضة في البرلمان بانتظار الدورة الانتخابية القادمة، اما ما يحصل عندنا فهو بالعكس من ذلك، فالكل بضمنهم الرابحون والخاسرون يشتركون في تشكيل الحكومة واختيار الوزراء، اذ يجب أن يكون الحكم تشاركيا للجميع وليس هناك من خاسر اصلا، وهو ما يعني الغاء دور الناخبين واصواتهم بالاساس، حيث يعاد انتاج العملية السياسية بنفس الطريقة التقليدية السابقة المبنية على أساس التفاهمات وليس على أساس نتائج الانتخابات. 
الخشية من ممارسة دور المعارضة في البرلمان يعكس قصورا في الوعي السياسي، اذ إن المعارضة لا تعني الخسارة الفادحة او مغادرة المسرح السياسي، بل هي حالة صحية تؤكد تعافي ونضوج العملية السياسية، وإنها تعطي الخاسر في الانتخابات الفرصة لمراجعة الاداء السياسي وتشخيص الأخطاء وتصويبها وتغيير السلوكيات لمصالحة الجماهير التي رفضت التصويت لصالح الحزب الخاسر، فضلا عن أنها تمنح الخاسر ايضا الفرصة والوقت لاختيار وجوه بديلة ومقبولة من قبل الشارع، بدلا من الحرس القديم الذي لم ينجح في كسب ثقة الناخبين وتعاطفهم. كما انها أيضا تعطي البرلمان والحكومة الفرصة للكشف عن الاخطاء والتجاوزات التي قد تحصل في أداء الحكومة ومعالجتها، حيث إن المعارض يكتشف وينتقد، بينما الطرف الحكومي يعمل على تجاوز هذه الاخطاء واصلاحها. كما إن المعارضة يمكن أن تبادر الى اصدار قوانين وتشريعات اضافية للحكومة يمكن أن تسهم في حلحلة المزيد من المشكلات العالقة في البلاد منذ سنوات عديدة.
تداول السلطة بين الفائزين والخاسرين يمنح العملية السياسية دفعة انعاش قوية وتخرجها من حالة الانسداد وتعمل على احداث تغيير في القواعد السياسية المالوفة، خصوصا أن التجربة المعتادة في الشراكات والتوافق لم تمنع من حصول خلافات ومشاحنات وازمات عديدة، اضافة الى أن الفساد المالي والسياسي الذي ما زالت تعاني منه البلاد قد ازدهر نتيجة لذلك.
وجود احزاب معارضة فاعلة يظل مشهدا ناقصا في اطار العملية السياسية في البلاد التي باتت بامس الحاجة الى قواعد وسلوكيات جديدة تخرجها من الجمود والتحجر والمراوحة، بعد أن أثبتت التجربة المعتمدة حاليا بأنها لا تصلح لادارة البلاد في ظل مواقف ومتغيرات داخلية وخارجية تحتم حصول هذا التغيير وتبنيه.