جان ماري موللر

العراق 2021/12/21
...

أحمد عبد الحسين
أمس توفي الفيلسوف جان ماري موللر. رحل عن عالمنا بهدوءٍ حدَّ أني لم أقرأ خبر وفاته في أيّ مطبوع أو موقع عربيّ. 
الشيخ الذي قارب التسعين، عاش مناضلاً طوال عمره. لكنّ نضاله لم يكن صاخباً، فلم يكن حامل راية تلتفّ حولها الحشود المستعدّة لأن تضحي بحياتها من أجله. لم يؤدِّ نضاله إلى مستشفى أو مقبرة كحال سائر المناضلين. كان لا عنفياً بل كان شيخ اللاعنف وفيلسوفه الأشهر.
غير أن بضاعة اللاعنف ليست رائجة. ففي السياسة، وفي الإعلام كذلك، لا يُسمع إلا الصوت الزاعق، ولا تُلتقط إلا مظاهر القوّة، القوّة العضلية وقوّة السلاح، بحيث تطفرالرغبة في القهر والإخضاع والتغالب من ثنايا كل خطاب. ولو كان موللر كذلك لامتلأت وسائل الإعلام بنبأ موته. لكنّ رجلاً يقول: "الضدُّ التامُّ للحقّ ليس الباطل بل هو العنف"، لن نحفل به حياً ولا ميتاً.
لم يكن موللر ساذجاً، كان يكرّر في كتبه ومحاضراته، أن العدوانية والرغبة في تأكيد الذات، دافع غريزيّ مركوز في جبلّة الإنسان، وهي مفيدة أحياناً كثيرة لتكوين هويّة الفرد، ولوقوفه ضدّ الظلم، لكنّه يقطع بمسؤولية المرء عن أفعاله التي يجب أن تتوقف حين يصل الأمر إلى العنف، إلا إذا هُدّدت حياته. خذ مثلاً جملته العظيمة هذه "اللا عنف لا يعني أن تضع المسدس في يد عدوّك وتنتظر صوت الإطلاقة".
منذ بدء احتجاجات 2011 تعرفت إليه وراسلته مراراً وسمعت محاضراته وقرأت كتبه، وتعلمت منه الكثير كما تعلم منه ملايين الناس. لأن حياته ومؤلفاته درسٌ لمن يريد أن يغمر السلام العالم.
وداعاً أيها المناضل الحقيقيّ الجسور.