كتّاب وصحفيون دخلوا السياسة وجلسوا على كرسي الحكم

ريبورتاج 2021/12/23
...

  عدنان أبوزيد
نجح أدباء وصحافيون وكتاب وشعراء، كانوا بعيدين في عناياتهم وأهدافهم عن السياسة، في الوصول الى مركز القرار والقيادة في أكثر من بلاد، بينما آخرون أخذتهم مسارات الأحداث إلى أن يصبحوا قادة أحزاب سياسية، ومعارضات، فضلا عن ذلك، فانه وعبر التأريخ، كان للثورات كتابها ومفكروها، ولكل نظام سياسي شعراؤه، لكن الوصول الى سدة الحكم ومركز القرار كيفية أخرى، وقد وصل المنصف المرزوقي، المثقف والمعارض، عبر الانتخاب الى الرئاسة المؤقتة لتونس في 2011، بعدما تعاضد مع الإسلام السياسي لتحقيق برنامجه السياسي.
واختير الروائي المعروف فاتسلاف هافل رئيساً لتشيكوسلوفاكيا ثم التشيك حتى العام 2003، تقديراً لدوره كمثقف معارض، انقلابي. 
وتحول السوري برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي، الى زعيم معارضة للنظام في بلاده، وسبح المثقف اللبناني طارق متري في بحر أحداث مرتبكة، وصار وزيراً للإعلام في 2008.
وبرز المعماري والأكاديمي والكاتب العراقي كنعان مكيّة، كمعارض عنيد لنظام صدام، قبل العام 2003. وفي العراق ارتقى مصطفى الكاظمي، وكان باحثاً وإعلامياً، ومثقفاً عضوياً، منصب رئيس الوزراء.
وفي ايرلندا، أوصلت الانتخابات الشاعر مايكل هيغينز الى الرئاسة، حتى تندّر الشعب على فوزه، بالقول إن هيغينز سيطعمنا الشعر.
 
الوصول المُتاح
النائب عن نينوى في البرلمان العراقي منذ العام 2010، والمرشح الفائز في انتخابات 2021، أحمد الجبوري، تحدث لـ «الصباح» عن أن «الوصول الى السلطة في الانظمة الديمقراطية مُتاح لكل مواطن من خلال الجماهير التي تضع ثقتها في الشخص او الحزب الذي من المؤمل أن يلبي طموحات الشعب»، معتبراً أن «الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية هي منصة الانطلاق السياسي الطبيعي لأي شخص يريد الوصول الى السلطة، سواء كان كاتباً أو صحافياً أو مهندساً، أو فلاحاً او كاسباً، وما الى ذلك».
ويستطرد الجبوري: «هناك من يصل لمواقع السلطة ليس عبر صندوق الانتخابات، بل عبر الاختيار من قبل القوى السياسية الفاعلة ليكون مرشحها التوافقي لإدارة مرحلة، وقد حدث هذا الامر في العملية السياسية العراقية لتجاوز انعطافات أمنية وسياسية خطيرة». 
ولا تخلو حالات صعود المثقفين والكتاب الى كرسي السلطة، من التسلّق على أكتاف أحزاب وركوب موجات، اذ يُعدّ ذلك من أدوات الصعود السياسي، وقد يكون المثقفون في الكثير من حالاتهم أوفى الى مبادئهم من السياسيين.
والمثقف عند الكثير من الشعوب بين نارين، فاذا سكت عن مظالم السلطة عدوه عميلاً، وإذا ناصبها العداء اتُّهم بالباحث عن الجاه والمنصب والمال.
 
أدباء إلى عالم السياسة
نورمان ميلر، الكاتب الأميركي الذي كان مفتوناً دائماً بالسلطة السياسية، حاول مرة واحدة أن يكون سياسياً، وترشّح لمنصب عمدة نيويورك، لكنه فشل. 
 بل إن ولوج أدباء الى عالم السياسة، يثير السخرية في أوروبا، فثمة اقتناع عام بأن الأدب هو مسرحية و من يمارسه لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد. وفي ملاحظة مثيرة، تكتب صحف أوروبية، أنّ المحرك للاهتمام انه حتى السياسيين حين يفقدون سلطاتهم فانهم يتحولون الى كتّاب وأدباء.
وفي القرن التاسع عشر، كانت المهارات الأدبية والكتابية أمراً لازماً للسياسي، لأنها الوسيلة المهمة التي تجعله زعيماً مثقفاً، لكن سياسيي اليوم في الكثير من البلدان يديرون الدولة والأحزاب بطريقة ديماغوجية، فلا يؤثرون في الناس. 
رونالد ريغان، وجون كينيدي، وباراك أوباما، ومارتن لوثر كينج الابن، كانوا من كبار الكتّاب القادرين على إيصال الأفكار بشكل مريح.
يقول ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة آبل، إنّ عليك أن تحترق من أجل فكرة، وإذا لم تكن شغوفاً بما يكفي منذ البداية، فلن تمسك بها أبداً، وقد أهّله ذلك الى دور قيادي.
 
طالباني والسادات 
وعبد الناصر
وكان الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني صحافياً ومحرراً لمجلتي خابات وكردستان، والرئيس المصري الراحل محمد أنور محمد السادات، عمل مراجعاً صحفياً بمجلة المصور حتى العام 1948، وأصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر سبعة كتب، ابرزها «فلسفة الثورة».
وحرّر الرئيس الأميركي الراحل وارن جي هاردينغ، الأخبار في صحيفة «ذا ماريون ستار».
وبدأ رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، حياته المهنية في مجال الصحافة مع جريدة «التايمز»، ثم انتقل لصحيفة «ديلي تلغراف»، مساعدا لرئيس التحرير، كما عمل رئيس تحرير لمجلة «Spectator» اليمينية في العام 1999.
 مدير المركز العراقي للدراسات الستراتيجية الدكتور غازي فيصل حسين تحدث لـ «الصباح»  عن الترابط بين الثقافة والمعرفة العلمية بجانب الخبرة في الاختصاص والقدرة على الانجاز بمجموعها، لتشكل عوامل اساسية لاستثمار الفرص المتاحة لتبوئ مراكز قيادية في المجتمع المدني أو في المجتمع السياسي» .
وفي الحالة العراقية، يرى حسين أن «رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قدّم نموذجا للشخص الذي نجح في المجال الثقافي والصحافي الى جانب انجازاته في جهاز المخابرات، الأمر الذي منحه فرصة مهمة للاطلاع على شؤون ادارة مؤسسات الدولة وبناء علاقات عمل مع شخصيات في دول الجوار والعالم، مكنته من تحقيق نجاحات ملموسة في رئاسة مجلس
الوزراء». 
 
السلطة بحاجة إلى المثقف
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خالد العرداوي، تحدث لـ «الصباح» عن أن «وصول كتّاب وصحفيين وادباء الى السلطة ومراكز صنع القرار ليس امرا جديدا او مبتدعا، فكثير من دول العالم حصل فيها هذا
الامر».
ويرى العرداوي أن «مشاركة المثقف في العملية السياسية في العراق، لم تكسر معادلة السلطة نفسها وتغيّر من توازناتها، بل على العكس اساءت احيانا لبعض المثقفين وندموا عليها مع بقاء معادلة السلطة والقيادة تدار بمعاييرها الخاصة التي تحكمها توازنات الداخل
والخارج». 
معتبراً أن «السلطة والقيادة كانتا وما زالتا وستبقيان بحاجة الى المثقف حتى لو كان مثقفهما لا مثقف الشعب، ولكن تحويل هذه الحاجة إلى عامل إيجابي مؤثر في بنية السلطة والقيادة يبدو بحاجة الى وقت في العراق الى أن تتم مغادرة خنادق طلب السلطة والتمترس بخندق بناء الدولة المرتكزة على أسس متينة وصحيحة، وهي دولة تقوم على حكم القانون والمؤسسات، وتحترم الكفاءات ومنتجها المعرفي في بناء الحكم الصالح
الرشيد».
رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات في سدني، احمد الياسري يقول:  «جدلية حاسمة في التاريخ السياسي العراقي بين الثقافة والسلطة إذا قرأناها بطريقة سيمو موجية، وهي جدلية مثقف السلطة وسلطة
المثقف».
ويوضح الياسري: «السلطة في الدولة العراقية لم تكن متصالحة مع المثقف ولم تسر بخط بياني يوازي الثقافة، واحتكرت الثقافة، فأصبح المثقف يشعر بأنه جزء تابع للسلطة وليس نخبة اقتراحية تقدّم الحلول».
ويرى الياسري أن «هذه الإشكالية، مستمرة رغم غزارة الكتاب والمثقفين في العراق، الا ان البلد لم يستفد من ذلك عبر انشاء مؤسسة ثقافية مستقلة أو موازية»، مشيراً الى أن «لا شيء تغيّر، فالسلطة الواحدة كانت تحتكر الثقافة والمثقف، والسلطات المتعددة الآن تفعل ذلك أيضا»، متسائلاً «فيما إذا المثقف يستطيع أن يؤثر اليوم في السياسة؟».
ويتمنى الياسري  «ألا يكون صعود المثقف الى مصدر القرار صدفة»، معتقداً أن «فرص المثقفين كونهم من النخبة الاقتراحية التي تؤسس للمسارات السياسية، ضعيفة بالعراق، وقد حصل في تظاهرات تشرين بعض الانعتاق لمثقف السلطة»، داعياً إلى «تحرير المثقف من السلطة، لاسيما ان سلوكية المثقف منذ تأسيس الدولة العراقية نابعة من كون أساس ثقافته حزبية».
وفي المجمل العام يعُرف عن المثقفين بأنهم مبدئيون، وبعيدون عن آليات التنفيذ، وقريبون من أدوات التنظير، لكن البعض منهم وجد نفسه في المسلك المؤدي الى المنصب، ولا بد من حفنة من البراغماتية من اجل ذلك.