المسيوجينيَّة التي تعيشُ بيننا

آراء 2022/01/04
...

 د. سهام السامرائي 
على عكس الشعارات المرفوعة دفاعًا عن المرأة ونصرتها؛ كانت وما زالت المرأة تتعرض للظلم والقهر والاستغلال والاضطهاد والعداء والكراهية والعنف والتهميش والتغييب والإقصاء ومحاولة ابعادها عن موقع القرار، على الأصعدة كافة ولا فرق ما بين مجتمع متمدن أو غير متمدن أو عند طبقة المثقفين والمتعلمين وبين متوسطي أو محدودي أو عديمي الثقافة. 
 
ومن الصعب حصر الأمثلة التي تتجلى بها كراهية المرأة، فهي واقع حال لدى طبقات كثيرة من أبناء المجتمع، تمثل القريب في الأسرة والزميل والمسؤول في العمل أو أيًا كان من أفراد المجتمع، فالكل سواسية في تفكيرهم ونظرتهم وتعاملهم على أن المرأة كائن ناقص، أدنى من الرجل وأقل اكتمالاً منه. وما هو الإ تراكم ثقافي ورثوه منذ القديم كرّس دونية المرأة واستعبادها.
ولا ننسى وسائل الإعلام ودورها الخطير في تشييء المرأة وتسليعها والمتاجرة بها وتسويقها تحت شعار (الأنوثة) وفق الثقافة الشكلية لمفهوم الأنوثة لا جوهرها، وباتت الكثيرات لا يرين أنفسهن سوى (جسد) تهتم بتجميله ونحته مُهملة تغذية (عقلها) وتطوير تفكيرها، من خلال استخدامها سلعة في البرامج والإعلانات بقصد حصد أكبر عدد من المتابعين للاستفادة المادية منها.
ويعد هذا الأمر مظهرًا من مظاهر الكره وعدم احترام للمرأة ولكرامتها . 
والجدير بالذكر أن المسيوجيني يشعر بالاستياء عند مشاهدة المرأة الناجحة أو القوية؛ ومحاولة منافستها في كل شيء وعدم السماح لها بالتمييز والتفرد في أي مجال كان؛ بل يشعر أن له ثأرًا معها ويريد الانتقام منها بأي طريقة أو شكل من الأشكال. والعمل والسعي الحثيث لإفشالها والتقليل من نجاحاتها ومحاولة إحباطها وتغييب جهودها الفكرية ضمن نطاق سلطته. 
وهذا ناتج عن نظام فكري وأيديولوجي صاحب المجتمعات الأبوية منذ آلاف السنين. إذ يحتل فيه الذكور السلطة، وتقوم هذه السلطة على علاقة هرمية تبدأ بالأب ثم الأخ ثم الزوج ثم الابن ثم أي ولي أمر ذكر، وتخضع فيه المرأة لهذه السلطة . 
هذه الآراء لا يزال يحملها الرجل في اللاوعي ونراها تولد من جديد نتيجة السيطرة الذكورية على الموروث الثقافي والهيمنة شبه المطلقة على الأنظمة والمؤسسات الحكومية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية . 
 وقد نتج عن ذلك الكثير من صور التهميش والحيف والإقصاء بمختلف أوجهه، ومظاهر العنف الظاهر والمبطن؛ بل ووصل الأمر إلى أهم المؤسسات العلمية، ألا وهي المؤسسة الأكاديمية، إذ يتجاوز الوجود الذكوري الأنوثة، فنجد هذه الأمراض تستفحل وبشكل واسع عند بعض الأساتذة والمسؤولين ممن عاشوا أمراضًا نفسية في ماضيهم البعيد، بسبب الحرمان من رغد العيش السليم وربما الحياة الأسرية غير السوية، ما انعكس سلبًا على طريقة تعاملهم غير الحضارية مع زميلاتهم في العمل، فيحاولون وبشتى الوسائل عرقلة نجاحهن وإبعادهن عن موقع القرار والمسؤولية، خوفًا من أن تتولى منصبًا قياديًا، وإذا لزم الأمر وفرض عليهم من جهات عليا تولي المرأة لمناصب إدارية معينة، فغالبًا ما يوكلون هذه المناصب لزوجاتهم أو زوجات زملائهم ممن ينتمون للأحزاب نفسها أو قريباتهم ممن يشاركنهم العمل في المؤسسة ذاتها؛ أو امرأة مفتقدة للصفات القيادية، ليبقى القرار بأيديهم، إذ يسهل السيطرة عليهن بحكم صلة القرابة، وبحكم ضعف شخصيتهن أيضًا؛ وغالبًا ما تكون زوجة (المسيوجيني) مريضة نفسيًا مثله، ولا تقل شرًا ولؤمًا عنه، إذ إنَّ هذا المرض لا يصيب الرجال فحسب؛ بل من الممكن أنْ يصيب بعض النساء، فتكره بنات جنسها وتسعى دائمًا لمحاربتهن. وبهذا تكون المرأة المسؤولة وفق هذه المواصفات ألعوبة بأيدي المسؤولين وأداة يُسيرونها كيفما يشاؤون، ويتخذونها واجهة يختفون خلفها لصنع القرار لا حول لها ولا قوة . 
 
هامش بطعم المركز
 يوما بعد يوم تتكشف لنا خطورة هذا المرض واستفحاله وضرورة التنبيه عليه؛ لذا نسعى من هذه القراءة السريعة لمصطلح (المسيوجينية) إلى مناشدة أصحاب السلطة والقرار في الحكومة العراقية، متمثلة بدولة السيد رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي) ومعالي السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى الالتفات لما يحدث في بعض الجامعات العراقية التابعة لهيمنة بعض الأحزاب السياسية المتنفذة بحكم المحاصصة الطائفية المقيتة من ممارسات إرهابية غير مقبولة، تمارس وبشكل فاضح من دون خوف أو وجل من قبل بعض المصابين بهذا المرض الخطير (المسيوجينية)، ممن يتولون مواقع المسؤولية والمدعومين من أحزاب سياسية وعشائرية، إذ يستغلون انتماءاتهم الحزبية والعشائرية وتشعب علاقاتهم مع السياسيين والمتنفذين في صنع القرار في مؤسسات الدولة؛ لمحاربة شريحة واسعة من التدريسيات المعروف عنهن المثابرة والاجتهاد وكثرة النشاطات العلمية والتميّز والنجاح في العمل، وممن لا ينتمين لأحزاب سياسية؛ ولا تربط بهن أو بالمتنفذين معهم صلة قربى، وممن لا يرتضين الخضوع والخنوع والاستسلام الأعمى وتقبل رأي الآخر من دون مناقشة وإقناع؛ وممن عافاهن الله فنشأن في بيئة صحية سليمة خالية مما ابتلاهن الله بهن من 
أمراض .