أحمد عبد الحسين
«أقول وقلبي ملآن أسى، إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقيّ بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أيّ فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة».
هذه الكلمات تأتي من مسافة قرنٍ كامل ويتردّدُ صداها حتى الآن. قالها الملك فيصل الأول ليلة جلوسه على عرش العراق، وظلّ الحاكمون بعده يرددونها ـ كلٌّ بطريقته ـ ويلقّنونها حتى رددها المحكومون كأنها مسلّمة لا شكّ فيها.
القوميون والبعثيون رأوا بعين عروبتهم أن العراق جزءُ من كلٍّ، قطعة صغيرة من أمةٍ واحدة برسالة خالدة، ولا تسأل عن فحوى هذه الرسالة ابتلعت الوطن مع أنها لا وجود لها. الشيوعيون بأمميتهم عابرون للأوطان تائقون إلى تصغير الوطن لتكبر الفكرة، فلا الفكرة بقيت ولا الوطن، ولم تصغر الصورة ولم تكبر “الصمونة”. أعقبهم الإسلاميون بمشروعٍ يمزّق تاريخ الأوطان لترقيع تاريخ الأمة، وفي كلّ ذلك كان الوطنُ العراقيّ بعضاً من كلّ، مجرد قطعة من نظام أكبر، كياناً مشكوكاً به على الدوام وعرضة لربطه بسايكس بيكو ومؤامرات تقسيم الأمم على مقاسات المستعمرين.
لم يكن العراق وطناً أكيداً، لا عند القوميين ولا الشيوعيين ولا الإسلاميين. كان مكاناً لتنفيذ مشروعٍ أكبر منه، مشروع عروبيّ تارة، وأمميّ تارة أخرى، وخلاصيّ قياميّ كما هو حاصل اليوم عند كثير من حركات الإسلام السياسيّ.
ميّزة الجيل الجديد من العراقيين أن المشاريع الثلاثة لم تعد تقنعهم كثيراً. لديهم وطنٌ زجّه حاكموه في مشاريع أناسٍ آخرين، وها هم يريدون استرداده. لا يريدون إضاعة وطنهم مرة أخرى من أجل فكرة.
الشبّان يعرفون ما لا نعرفه: كلّ الأفكار مشكوكٌ بها، لكنّ العراق أكيد .. أكيد!