تلسكوب القمامة

آراء 2022/01/08
...

 حسين الذكر
 
يقال إن أحدهم قرر أن يبني بيتاً للعبادة، هيأ له جميع المستلزمات من افضل المناشئ وخصص ميزانية ضخمة، معتقدا أن صرف المليارات في هذا الملف يقربه الى الله أكثر،  كأنها مقايضة بين (الدفع والجنة).
لم ينبهه أحد على أن بيت العبادة لذكر الرب وافضل ميدانه يتم من خلال رحمة مخلوقاته ومساعدة خلقه وتحسين بيئته. الأدهى من ذلك أن الرجل رفض بناء مكان (لقضاء الحاجة)، معتقدا أن النجاسات لا ينبغي أن تكون هنا. لم يوافق الا بعد أن شرحوا له أن للحياة مقتضيات وحاجتنا (للمرحاض) كحاجتنا لمكان الوضوء. وتجميع ومعالجة القمامة لا يقل شأنا عمن يوزع الثواب، فالحياة منظومة متكاملة أفلح من وعاها واستوعب معناها. 
في العالم المتحضر لا شيء يترك سدا، كل بثمن ولعله تسير جنب الأدوات والاذرع الأخرى. أن تعطلت احداها أثرت في جميعها، فترى اهتمام تلك الحضارات بملف القمامة وما تفرع من ثقافتها والإفادة منها وحرق الفائض غير المفيد. جزء أساس من علمنة الواقع وتوظيفه لخدمة الناس. 
اذا ما استثنينا بعض مناطق العرب فاننا – للأسف الشديد – نجد أغلب مدننا تعج حد الاستغراق في اكوام القمامة. العملية ليست وليدة اليوم ولم تنشأ جراء الإهمال والنسيان، بل هي مطروحة منذ زمن ولعدد من اللجان وبعشرات القرارات، التي أخفقت حتى الآن من تحويل القمامة من حالة مرضية مستعصية تصيب كبد المجتمع وتتلف الكثير من اجزائه الحيوية، الى ملف حياتي يعالج بقنواته المتخصصة بأدوات نظيفة يمكن لها أن تجعل من القمامة (امانة). 
لذا ينبغي أن يتولى أنظف الناس خلقا ومنطقا وسلوكا الاشراف على ملفها. اذ لا ينتظر من جاهل يخلصنا من وسخ الأمية.
ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يعي خطورتها لا يمكن أن يفكر بالخلاص منها، ومن تذوق طعم السكر لا يشتهي العلقم، ومن سكن القصور ليس كمن يبات على الرصيف.