متى يتدخل السيستاني في الأزمة السياسيَّة؟

آراء 2022/01/17
...

 ابراهيم العبادي
تصاعدت النداءات والمناشدات التي تدعو المرجع الديني الاعلى الى التدخل في الازمة السياسية الراهنة، بعضهم ذهب في التساؤل بعيدا عما أسماه سكوت المرجع وإحجامه عن إبداء رأيه في ما يحصل من تجاذبات سياسية حادة، تهدد استقرار الوضع العراقي الهش وتنذر بمخاطر جسيمة على العراق مجتمعا ودولة، فالتأزم والانقسام الحاد بين القوى السياسية الشيعية
 ووصول المفاوضات بين الطرفين (الاطار التنسيقي والكتلة الصدرية) الى طريق مسدود، وانتقال الانقسام الشيعي الى انقسام وطني حاد، والدفع المتوالي باتجاه الخصومة والعنف، كل ذلك يستدعي تدخلا عاجلا لوقف الانحدار نحو الهاوية، وقد اعتاد العراقيون في مثل هذه المنعطفات الخطيرة، على تدخل المرجع الاعلى، ليعيد ترسيم الامور بهدوء نحو حلول مرضية ونهايات مقبولة، تسمح بانفراجات معقولة للأزمات، ولا أقول إن حكمة المرجع الاعلى كانت موض ترحيب دائما من بعض الزعامات والنخب، لكنها بشكل عام كانت تمثل خشبة الخلاص الأخيرة، التي تسمح بالتقاط الأنفاس وتمنع انحدار الأمور الى نقطة اللاعودة، وهو ماكان موضع ترحيب الجمهور العام واكثر العقلاء والموضوعيين، بينما كان أصحاب المصالح والأهواء الطائفية والأيديولوجيات الثورية، يجدون في حضور كلمة المرجع محددا قاطعا لمشاريعهم، وهدما لاستثماراتهم في الازمات، فتراهم يلوذون بالتشهير والنقد الموارب، لأن رأي المرجع الأعلى لم يكن موافقا لطموحاتهم.
الآن حيث تشتد الأزمة وتعصف ريح سوداء في سماء العراق، ويتخندق طرفا القضية خلف شعاراتهما وتصوراتهما الثأرية من الآخر، حيث يسود الشك وتتقاطع الخطوات وتتجه الامور الى الصدام المسلح وتكسير العظام، جأر الخائفون من الحرب الشيعية -الشيعية، وتعالت أصواتهم بضرورة تدخل حكيم النجف خوف انفلات الامور وبلوغ الصدام السياسي مرحلة الاحتكام الى السلاح، وبدأ كثيرون يذكّرون المرجع بمسؤولياته الشرعية ويزايدون عليه في تفعيل مقام (الولاية الشرعية )، وينسون أنهم كانوا بالأمس القريب يخالفون نصائح المرجع وعظاته الاسبوعية، التي كانت تصل الى الجمهور عبر خطيب جمعة كربلاء، لقد نصح بعدم تدخل المتطوعين للدفاع عن الوطن في السياسة والانتخابات، ولم يسمعه أحد، ونصح بسيطرة الدولة على السلاح المتزايد المنفلت، فلم يطعه أحد، ونصح بعدم الانصياع للمتدخلين من خارج الحدود والمحافظة على القرار السيادي العراقي فلم يكترث له كثيرون، ونادى بالتداول السلمي للسلطة والاحتكام للجمهور، فلم يصبح ذلك ملاك التفكير عند القوى المتحمسة التي جعلت من نفسها وصية على قرار الأمة، وأكثر من ذلك إنه رسم خريطة طريق لحل الازمة المستعصية بعد الاحتجاجات العنيفة في عامي 2019 و2020، فالتف عليها السياسيون وافرغوها من محتواها، الى أن دخلوا في الانتخابات بأجندات متعارضة وأهداف متناقضة، فحصدوا ما خططوا وما أرادوا، ولم يتيقن الجميع أن أهواءهم لا تستطيع النفاد بالبلاد الى الصورة المتخيلة، واشتبكوا في رؤيتين متعارضتين، صار الحل الوحيد هو تدخل المرجع، فهم يريدون الاحتماء به متى ماعجزوا، قبل ذلك كانوا يتوهمون الرشد بأساليبهم وخططهم ومشاريعهم، هذه هي الحقيقة المرة التي يتجرعها العراقيون الخائفون على أمنهم وحاضرهم قبل غدهم ومستقبلهم.
لقد نسي الجميع أن منهج السيد السيستاني لا يتبنى مقولة التعبير عن الرأي والحكم والفتوى لإبراء الذمة فقط، انما يتبنى خط منهج سيكون ارثا مستقبليا لمرجعية النجف الفقهية، وهو أثر الفتوى والحكم والرأي على المجتمع وتداعياته المستقبلية، فالمرجع يقرأ ذلك ضمن أفق واسع، كان يتدخل عندما يجد شريكا يسمع ، وجمهورا يتقبل، ونخبة تفهم، وكان يعلن موقفه بعد أن تكون الأجواء مستعدة لحكمه، دون أن يكون لهذا 
الموقف تداعيات سلبية على الشارع، فيشتبك الناس العاديون في صراع مجتمعي ويختبئ السياسيون خلف أصابعهم، لقد فعلها في مناسبات كثيرة، عندما أدرك أن  كلمته ستكون نافذة ومؤثرة وذات نتائج عملية، تحفظ أمن الناس وتعيد الأمور الى نصابها الصحيح، لن يتدخل المرجع بحسب مشتهيات
الساسة وكأنه واحد منهم، ولن يشاركهم مهازلهم لينتصر لهذا الموقف او ذاك، بل إنه سيتدخل عندما يعلن السياسيون عجزهم وترتفع عقيرتهم بالاستسلام لهذا العجز، اما اذا كانوا في موقف المستغني عن حكمة المرجع فليتحملوا مسؤولياتهم وليظهروا امكانياتهم الفكرية والسياسية وهم الذين عموا واصموا من
قبل.