أساس الشرعيَّة الدستوريَّة للكتلة الأكثر عدداً في الانتخابات في العراق

آراء 2022/01/21
...

 * صفوت رشيد صدقي
 
بعد التصديق على النتائج النهائية لأية انتخابات عامة في العراق، يثار الجدل حول مفهوم الكتلة النيابية الأكثرعددا المنصوص عليها في المادة 76 من الدستور، ليتسنى لرئيس الجمهورية تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة.
 صحيح بأن أحدا لا يجادل في القاعدة القانونية الشهيرة (لا اجتهاد في مورد النص)، ولكن حيث إن المادة أعلاه والمادة 45 من قانون الانتخابات النافذ لم يحسما هذا الأمر بشكل واضح لا لبس فيه، فلا مناص من اللجوء إلى التفسيرالقضائي والقضاء المختص هنا هي المحكمة الاتحادية
العليا.
 التفسيرعبارة عن توضيح المعاني والأحكام التي يقصدها المشرّع، والقاضي حينما لا يسعفه تفحص نص المادة من استخلاص نية المشرّع منها بوضوح، فإنه عادة يبحث في نصوص دستورية وقانونية مشابهة أو ذات علاقة، وقد يلجأ حتى إلى العرف أو الأحكام القضائية أو إلى تشريعات دول أخرى، بل وحيث أعيته الحيل فإنه يضطر إلى الاجتهاد، وهذا يعني بأنه لا مناص من إصدار حكم قاطع وباتٍ لا لبس فيه، ولذا فإن صيغاً من أمثال (أما أو) الواردة في قرار المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص تبدو غريبة بعض الشىيء.
إن الحكمة من تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثرعددا تكمن في أنها تمثل إرادة أكبر عدد من الناخبين، قياسا بغيرها، والناخبون شرعا يمثلون إرادة الشعب الذي هو وحده مصدر السلطات جميعها، ثم أن التوليفة الوزارية بعد تشكيلها بحاجة إلى نيل ثقة المجلس بأغلبية عدد الحاضرين بعد تحقق النصاب، وهي في هذا المجال أيضا اكثر حظا من غيرها. 
 ولننتقل من العموميات إلى موضوع بحثنا، صحيح أن ولاية المحكمة الاتحادية العليا لا تشمل تفسير القوانين، إذ إنها محصورة بتفسير الدستور فقط حسب المادة 93 منه إلا أن مبدأ التفسير يمنح القاضي صلاحيةً واسعةً كما أسلفنا، فلا ضير في هذه الحالة من الاستفادة من منطوق المادة 45 من قانون الانتخاب والتي تنص (لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال الى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى، إلا بعد تشكيل الحكومة مباشرة، دون أن يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل إجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد إجراء الانتخابات).
والآن ماذا نفهم من روح هذه
المادة؟
إنها تمنع النائب المنتخب (دون الافصاح عن ذلك صراحة) من الإخلال بعدد نواب الكتلة التي ينتمي اليها، أي الحفاظ على الكثرة العددية للكتل والقوائم والائتلافات، التي دخلت المعركة الانتخابية ابتداء، ولكن ما المقصود بهذا القيد؟
أنا أجتهد فأزعم بأن الغاية كانت تحديد الكتلة الأكثرعددا، ليتسنى لرئيس الجمهورية تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة، أي إن الكتلة الأحق بهذه الأولوية هي الكتلة أو الحزب أو الائتلاف الأكثرعددا قبل دخول الانتخابات، لا المشكّلة بعدها، والدليل رفع هذا الحظر من قبل المادة ذاتها بعبارة (إلا بعد تشكيل الحكومة 
مباشرة). 
 أخيرا لنضع كل هذا الجدل جانبا! ونتفرس في المبدأ الدستوري، الذي يقرُّ بأن الشعب هو وحده مصدر جميع السلطات ويمارس هذا الحق عن طريق انتخاب ممثليه في مجلس النواب، والذين بدورهم ونيابة الشعب ينتخبون رئيس الجمهورية، الذي بدوره ونيابة نواب الشعب يكلف مرشح الكتلة الأكثرعددا بتشكيل الحكومة، فاذا كنا نؤمن بهذا المبدأ حقا أليس علينا أن نحترم إرادته؟
بل إن الواجب القانوني والأخلاقي وحتى الديني يلزمنا بذلك، وقد ينبري أحدهم فيقول ومن يدعي بغير 
ذلك؟
حسنا لنورد مثلا للتوضيح، أنا كناخب وحسب قناعتي الشخصية من مناصري ائتلاف دولة القانون ومنهجه وسياساته مثلاً، وتبعا لذلك أعطيت صوتي في الانتخابات لهذا الائتلاف وبذلك (خولته) من بين أمور أخرى تشكيل الحكومة إن تسنى له ذلك، ولكن أنا لم أخوله أن يذهب بعد الانتخابات ويأتلف مع قوى أخرى، أنا أساسا ضد سياساتها لتشكيل الحكومة بصوتي مع احتمال أن يكون مرِشح الائتلاف الجديد من أعضاء الحزب، الذي أنا أعادي منهجه أساسآ! إذاً من حقي أن أشعر بأن صوتي قد أستغل بالضد من إرادتي، وهذا الجدل ينتهي في نهاية المطاف بأن احترام حق الناخب، يتجلى فقط في تحديد الكتلة الأكثرعددا، التي دخلت الانتخابات ابتداء بهذا العدد لا المشكلة 
بعدها.
 
*عضو مجلس مفوضية الانتخابات للمرحلة الانتقالية (2005 - 2007)