{جوانو} المغرب

آراء 2022/01/25
...

  غفران عبد العزيز
 
نجاح أو فشل، كل من مزارع الصين وفرع ماكدونالدز في نيويورك ومجمع شقق سكنية في مومباي وناطحات سحاب في لندن والانتعاشات أو الانهيارات الاقتصادية وأيضاً الانفجارات السكانية والمجاعات، ستتحدد كلها قريباً على يد دولة المغرب.
المعروف أنّ الخفافيش كائنات ضارة تَنشُر الامراض النادرة والخطيرة لكن ومنذ قرون أُكتُشِفَ أن هذه المخلوقات الصغيرة تقوم بشيء إعجازي. 
سيشكل عالمنا الى الأبد من دون أن يدرك معظم الناس ذلك الامر. في عام 1802، كان المستكشف البروسي ألكسندر فون هومبولت يرتحل عبر الاراضي البيروفية، وحينها اكتشفَ أمراً غريباً إذ إن الاراضي البيروفية لا تبدو ملائمة لزراعة واسعة النطاق، ومع ذلك، فإن الحقول كانت مليئة بالمحاصيل الخصبة والصحية. 
وقد عَلِمَ سريعا أن البيروفيين يقومون بجمع مادة تسمى {جوانو} وهي فضلات الخفافيش وبعض الطيور البحرية، ونشرها مع محاصيلهم طوال آلاف سنين مضت. 
منتهياً الامر بجَلب ألكسندر هذه المعرفة الى أوروبا، حيث أصبحت هذه المعرفة محط اهتمام رئيس للعالم الغربي، وبعد هذا الاكتشاف ازدهر إنتاج الغذاء بشكل كبير في أوروبا. 
وخلال سنوات قليلة انتقلت الفكرة الى الولايات المتحدة، مما جعل العديد من الدول تنجح في تحقيق الأمن الغذائي. هذه المادة واهميتها في الاقتصاد العالمي كانت سبباً في نشوب عدة حروب، كـ حرب جزر شينتشا عام 1864، وحرب المحيط الهادئ عام 1879، أغرمت الولايات المتحدة جداً بالجوانو، لدرجة أنها وضعت قانون {جزر جوانو}، الذي يسمح لأي مواطن أميركي بالمطالبة بضم أية جزيرة عليها كميات كبيرة من ذرق الطيور، وقد قاموا بالمطالبة فعلاً بـ 70 جزيرة، معظمها على المحيط الهادئ.
ظَلَ الجوانو المورد الأكثر حيوية في العالم، الى أن قام الكيميائي الالماني فريتز هابر في عام 1913 باكتشاف طريقة لتوليف النسخة الاصطناعية من الجوانو، وهو ما يسمى اليوم بـ {السماد}. وسرعان ما تحولت المجاعات الى شيء نادر في الدول التي استخدمت السماد. 
وتزايد عدد السكان بالعالم من 1.6 مليار الى 7.7 مليار خلال المئة عام التالية. هذا المركب المسؤول عن معظم النمو الذي شهدته البشرية عبر القرنين الماضيين، قد يكون في طريقه 
للنفاد. 
لأن انتاجه بحاجة لثلاثة مركبات، أولها النتروجين، الثاني الفوسفات، والثالث البوتاسيوم. 
واثنان من هذه المركبات لا يمكن تخليقها من الصفر وهي {الفوسفات والبوتاسيوم} يتركز البوتاس في أربع دول فقط هي، كندا تمتلك ثلث البوتاس في العالم، روسيا، بيلاروسيا، والصين تنتج مابين 10 % الى 20 % من البوتاس في العالم. وكل دول العالم مجتمعة تنتج 19 % من البوتاس. حقيقةً أن احتياطي البوتاس يمكن أن يدوم لعدة مئات من السنين قبل أن نواجه أي نقص فيه، لكن القصة مختلفة تماماً بالنسبة للفوسفات، فمنذ العام 2010 يجري جدال ساخن حول صخر الفوسفات ومتى سينفد من العالم، نقص الفوسفات او نفاده لا يشكل خطرا على العالم بقدر الخطر الذي تشكل بسبب القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها بعض الدول لحماية الفوسفات الذي تملكه، فـنرى أن أسعار الفوسفات ازدادت بنسبة 80 % منذ بدايات العام 2020. 
وفي عام 2021 قامت الصين بمنع تصدير أيٍّ من الفوسفات، آملة أن يكون لديها ما يكفي منه لإنتاج الأسمدة لزراعة غذائها في المستقبل المنظور، تحتل الصين المركز الثاني في العالم ومع ذلك هي قلقة منذ الآن على امداداتها من الفوسفات، سوريا والجزائر في المركز الثالث بنسبة 3 % وبقية الدول تمتلك 2 % فقط لكل دولة او أقل من ذلك.
قد تعتمد إمدادات الغذاء للعالم في العقود المقبلة على قرار المغرب بالتجارة مع طرف من عدمه، بكونها تحتل المركز الأول من احتياطي الفوسفات بنسبة 70 %، وربما تقوم المغرب ببيع الفوسفات لـصاحب السعر الأعلى، واحتمال كبير جداً أن يحدث صراع او تعاون، كما جرى الحال عبر التاريخ حول أي مورد ذي قيمة في العالم.
 إن القوى العظمى التي امتلكت نسبا عالية من موارد العالم، كـالولايات المتحدة مع النفط قبل اكثر من 100 عام، وما امتلكته المملكة المتحدة من معادن في بدايات القرن التاسع عشر، وشركة الهند الشرقية الهولندية في القرن السابع عشر، وشركة هدسون الكندية في نهايات القرن السابع عشر، كل هذه الاحتكارات تبدو باهتة مقارنة باحتكار المغرب للفوسفات وسماد 

 

العالم.