قصَّة التكوين: كيفَ نُكوّنُ دولةً بحق؟

آراء 2022/01/25
...

  عامر حسن فياض
إن قصص التكوين التي سردها العقل الإنساني على مر العصور هي قصص سجالية جدلية، وليست تعاونية تنافسية، وهي قصص مسارات وصيرورات لا قرارات ونزوات، وهي قصص صبورة وليست مستعجلة، إذ تتمدد على ماض وحاضر ومستقبل .
والعراق كما نعرف ويعرف الجميع بلاد مقر ومستقر وليست بلاد معبر او ممر، فقد شهد خمس حضارات ما قبل الإسلام والحضارة الإسلامية والهيمنة العثمانية والاحتلال الانكليزي والشمولية التسلطية الجمهورية والاحتلال الاميركي، وصولاً الى حاضر الاستقلال الهش والديمقراطية التي لم تكتمل بعد!. 
وفي هذا الرحم المجتمعي العراقي (التاريخي الاجتماعي الاقتصادي والسياسي الثقافي) تكوّنت ثلاث ثقافات (ثقافة تقليدية – ثقافة خضوع – ثقافة مساهمة) على وفق تصنيف عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر)، وكان أضعف أدوات التفكير هي أدوات ومناهج التفكير العلمي إذ غلبت الأدوات الأسطورية ثم الدينية حتى دخول العراق عهد بناء الدولة الوطنية العشرينية أوائل القرن الماضي.
وعندما دخل العراق هذا الطور اصبحت خارطة الفكر والتفكير موزعة بين فكر وتفكير موروث وفكر وتفكير توفيقي بين الموروث والوافد.
ففي العهد الملكي كان الوافد التعددي المهين سياسياً والموروث المهيمن اجتماعياً، وفي العهود الجمهورية كان الوافد التسلطي (القومي - اليساري) المهيمن سياسياً والموروث مهيمنا اجتماعياً، وبعد العام 2003 كان الوافد التعددي بالصبغة الليبرالية والمضمون التعددي التقليدي متسيّدا سياسياً والموروث التقليدي متسيدا اجتماعياً. 
تلك هي خارطة الفكر والتفكير بخطوطها العامة وليست في دواخلها التفصيلية؛ لان التكوين سجالي، والسجال لم يكن حوارياً تنافسياً بل كان وما يزال تقاتليا دمويا في أكثر الاحيان؛ لذلك فان تاريخ الحاضر العراقي كما هو ماضيه هو تاريخ قسوة وألم!. 
كيف الخروج والانتقال بالعراق من بلاد السجال القتالي التقاتلي الى عراق السجال الحواري التنافسي؟.
إذا أراد العراق ان يكون له مكان تحت شمس المستقبل عليه ان يعمل على:
•  اكتفاء ذاتي نسبي في القوت لتجاوز أمراض العقم الانتاجي والخصوبة الاستهلاكية.
•  اكتفاء ذاتي نسبي في الدواء (استهلاكاً وانتاجاً).
•  اكتفاء ذاتي نسبي في المعرفة (استخداماً وانتاجاً).
من هنا تبدأ رحلة تعبيد الطريق نحو بناء الدولة في العراق، ومنها يبدأ مسار الانتقال بالعراق من كيان او كيانات سياسية الى دولة حقة. دولة تستحضر التاريخ لتغادره لا لتعيش فيه وتعتاش عليه، دولة ترى ان كل القمم مدببة إلا ثلاث قمم هي غير مدببة وعريضة تتسع للجميع (قمة الإيمان – قمة المعرفة – قمة الوطنية). دولة تنتج مواطنين لا رعايا ولا اتباعا ولا زبانية، ومن رحم المواطنية يولد رجال الدولة.
عندها نعلم انه يخدعنا من يقول أننا متنوعون ويعالج او يدير التنوع اخلاقياً او عقائدياً، بينما إدارة التنوع قضية حق دستوري مضمون لكل التنوعات وقانوني منظم لكل التنوعات، ومؤسساتي ممكن لكل التنوعات.
أخيراً نقول إن للعراق فكر وتفكير وينبغي عدم التطيير من تعددية اتجاهاته سواء الوافدة والتوفيقية وحتى الموروثة طالما أن السجال بينهما يصبح سجالا تنافسيا غير اقتتالي وغير دموي صالحا لبناء دولة حديثة بعيداً عن الفوضى الانتقالية والتسلط القمعي، وهذا الامر لا يخص العراق فقط بل يخص كل كيان سياسي في المنطقة يريد أن يكون دولة بحق.